الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

هل تعرف على ماذا هي حقا قادرة؟

يارا عرجة
هل تعرف على ماذا هي حقا قادرة؟
هل تعرف على ماذا هي حقا قادرة؟
A+ A-

يطغى في لبنان اليوم الطابع الذكوري على المشهد السياسي في تمثيل جدّ خجول للمرأة في السلطتين التشريعية والتنفيذية (مقعد وزاري واحد وأربعة نيابية). مشاركة المرأة في الحياة السياسية اللبنايية، إذاً، شبه معدومة وهي لا تحاكي الكفايات النسائية الموجودة، وبوفرة، في مجتمعنا.



"التنوّع الجندري نوع من أنواع الديموقراطية"


إنّ مشاركة المرأة في الحياة السياسية ووجودها في مجلس النواب ومجلس الوزراء لا يتعلّقان فقط بمسألة المساواة بين الرجل والمرأة، بل بتفعيل العمل الديموقراطي وإرساء أسسه. فنحن بحاجة إلى النساء في اتخاذ القرارات ليس لأنّ النساء أقوى من الرجال، لكن لأنّ النساء مختلفات عن الرجال، مما يجعل الحوار مثمراً أكثر، كون التنوّع الجندري نوعاً من أنواع الديموقراطية. وفي هذا السياق، تؤيّد المناضلة الأولى في حقوق المرأة السيّدة ليندا مطر في حديث لـ "النهار" هذه الفكرة، وتضيف أنّ "المرأة مواطنة كالرجل، الجنس هو الفارق الوحيد بينهما لا العقل. فالترشحّ للانتخابات حقّ من حقوقها. فوجود المرأة ضروري في المجلس وذلك لأنّ المرأة مرتبطة بالحياة العامة أكثر من الرجل المنهمك دائماً في عمله وأحياناً في مصالحه الشخصية. فالمرأة مرتبطة بالمنزل والمجتمع، مما يجعلها خبيرة في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، رأيها سيكون، إذاً، للمصلحة العامة وليس للمصلحة الشخصية".


وتشرح في هذا الإطار أن "هناك بعض الرجال يفكرون في مصلحتهم الشخصية قبل إصدار أيّ قرار، وهناك رجال يصدرون القرارات لمصلحة البلد، إنّما، ويا للأسف، هؤلاء نادرون". وتشير إلى أنّ العائق الذي يمنع المرأة من وصولها إلى المجلس أو من تبوؤها مناصب سياسية رفيعة هو "الثقافة الذكورية المهيمنة التي تبخس من قدر المرأة وتحطّ من شأنها وترى أن مكانها المنزل، بينما العمل السياسي يجب ان يكون مشاركة بين المرأة والرجل". وتضيف أنّ الرأي العام يميل إلى اعتبار السياسة عالماً خاصاً بالرجل، والأسوأ من ذلك أن المرأة مقتنعة بذلك. والحلّ بحسب مطر "يبدأ من التربية في المنزل والمدرسة". كما تشير إلى أنّ "للإعلام دوراً هاماً في التوعية وتسليط الضوء على هذه الأمور، إضافة إلى القوانين المؤثرة في المجتمع والمرأة".


حكاية وزيرة:


بعض الرجال هم أشبه بنيرون، يستمتعون برؤية بلداتهم تحترق في النيران. ففي زمن، يكتفي فيه هؤلاء بالاستنكار، تعلن النساء بكلّ شجاعة وثقة مواقف جريئة. هذا هو حال معالي الوزيرة أليس شبطيني التي صرحت منذ فترة انها مستعدة أن تُحتجز إذا كان ذلك يؤمن عودة العسكريين المخطوفين سالمين. وفي حديث لـ "النهار"، توضح الوزيرة أنّ "ربّنا لم يخصص أيّ نشاط للمرأة وكذا لم يفعل بالنسبة إلى الرجل، فمن المؤسف أن يطالب الرجل في الخارج بإجازات الأمومة للمرأة، بينما ينظر لها في لبنان بدونية. الأسباب الاجتماعية والسياسية والجغرافية هي من وضعت المرأة جانباً، خصوصاً أنّ مجتمعنا الشرقي كان يحدّ من تعلّم المرأة وعملها".


وعندما سألناها عن رأيها بأنها الوزيرة الوحيدة في الحكومة وهل تؤخذ آراؤها في عين الاعتبار، أجابت: "ينظر الرجل للمرأة بفوقية، ولكن عندما تنجح المرأة في إثبات نفسها تتبدّل موازين الأمور. والمرأة تفكّر بقلبها وعقلها وهذا ما يميّزها عن الرجل، وهذا ما يسمح لها بتسليط الضوء على الأمور التي عادة يغفل عنها زملاؤها في المجلس، ممّا يجعلها تؤثّر في اتّخاذ القرارات. فوجود المرأة في الوزارة هو للاستطلاع والمشاركة في اتخاذ القرارات، والمشاركة تكون فعلية، لا تترجم فقط بالإمضاء". من هنا، تشير شبطيني إلى أنّ الحلّ يكون "في إثبات المرأة نفسها بالعمل والمثابرة، ولو بصورة صامتة بعيداً من الهوبرة". وتضيف أنّ "التربية هي أساس المشكلة، فيلحق الصبي والده دائماً في العمل والمناصب السياسية من دون أن تتاح الفرصة للمرأة في ذلك". من هنا، تدعو شبطيني الأهل أن يتفحصوا ضمائرهم ويسألوا أنفسهم: "هل أنا أميّز بين الصبي والفتاة؟". و


تتوجّه للنساء قائلة "الله قد أعطى المرأة نعمة الإنجاب، يجب أن لا تتخلّى عنها أبداً، بل يجب الاستفادة منها، فتعرف المرأة أنّه لديها واجبات ومسؤوليات". كما تنصح الجنس اللطيف "بالمحافظة على أنوثتهنّ والعمل والعلم والصبر لأنّ الأسباب التي تمنعها من الوصول عديدة، ومن بينها التربية". أما مطلبها إلى الساسة الرجال في لبنان الذين تكنّ لهم كل الاحترام فهو "احترام المرأة وتقديرها".


مشاركة المرأة في السياسة تبدأ من الأحزاب


تتعدد الأحزاب السياسية في لبنان التي قامت نتيجة عوامل قومية ومذهبية وحتى خارجية. ويرى البعض أن ظاهرة انتشار الأحزاب هي مظهر من مظاهر الديموقراطية وحرية الفكر وتعددية الآراء، مما يضفي تنوعاً ودينامية على العمل السياسي. ولكن قد يكون مفيداً حالياً القيام بدراسة علمية تقوّم دور الأحزاب وعملها وديموقراطيتها في الحياة السياسية. ولا شك في أن نظرة عامة إلى الاحزاب اللبنانية، يتبين لنا أنها من أسباب الانقسام المذهبي والطائفي وتشرذم العمل السياسي، وتكبيل يدي المرأة داخل الحزب بدلاً من تمهيد الطريق أمامها، مما يؤدي إلى الحدّ من مشاركتها في الحياة السياسية وإعاقة مجرى تطور العملية السياسية. كما أن غياب قانون ينظّم عمل الأحزاب السياسية ويفعّل مشاركة المرأة فيها ويكفل حقوقها يزيد من هذا التهميش.


وفي هذا الإطار، يوضح سعادة النائب غسان مخيبر أنّ "المشاركة السياسية واسعة جداً وهي تتضمن أشكالاً مختلفة منها الرسمي والشكلي كالنيابة والمخترة والبلديات، أو المشاركة في المؤساسات الحزبية، وهناك غير الرسمية مثل الظهور الإعلامي والمشاركة في تكوين الرأي. تشارك المرأة في الجمعيات بشكل جدي، يبقى عليها أن تخرج إلى الكلام العام في السياسة كالتحدث في مسألة تسليح حزب الله وداعش وغيرها. هذه دعوة للمرأة للمشاركة في عمق البحث السياسي. ويظهر بالمشاركة الحزبية غياب القيادات في الأحزاب، إذ تفضّل المرأة أن تقتصر مشاركتها على المواضيع المتخصصة. وبالتالي يكون دخول المرأة المعترك السياسي الحزبي مرتبطاً بمدى استعداد المرأة والأحزاب لذلك، فالأحزاب عبارة عن مؤسسات سلطوية يصح فيها ما يصح على المجتمع ككل. على الأحزاب، إذاً، أن تبذل جهداً أكبر لتشجيع المرأة على تولّي مناصب قيادية. نلحظ اليوم وجود بعض النساء في المراكز القيادية كندى زعرور على رأس الحزب الخضر، إنما تبقى هذه الانماط قليلة، يجب ان نكثر منها". يرحّب مخيبر بمشاركة المرأة في الحياة السياسية ويعتبر أنّ "الكوتا هي الحلّ الوحيد لذلك على رغم معارضة الآخرين لهذا الأمر. فالكوتا شرط وتدبير موقت لتهيئة مشاركة النساء في المجال السياسي. وتكون الكوتا في البلديات والنيابة عبر تطبيق نظام النسبية".



10452 أوّل حزب سياسي نسائي


وكردّة فعل على هذا النوع من التهميش، شهد لبنان والمنطقة ولادة أوّل حزب نسائي سياسي "10452" ترأسه اللبنانية رلى المراد لدعم حقوق المرأة وجعل دورها ريادياً في شتّى المجالات الاجتماعية والسياسية. وفي حديث لـ "النهار"، توضح رلى المراد أنّ "الأحزاب السياسية هي التي تعززّ مشاركة المرأة في الحياة السياسية في لبنان، غير أنّ هذه الأحزاب هي عينها المعرقل الأساسي لمشاركة المرأة الفاعلة في الحياة السياسية، كونها لا تستطيع تبوؤ منصب الرئاسة، فتعمل من وراء الكواليس، إذ يقتصر دورها الحزبي على النشاطات الاجتماعية، لذا يجب أن تكون شريكة في الحزب لا أن يخصص لها قطاع يدعى "قطاع المرأة". وتضيف المراد أنّ الزعماء لا يرحّبون بوجود المرأة في المجال السياسي، لذلك يكتفي قادة الأحزاب بتعيين من يرغبون في تعيينه، غير آبهين للكفايات النسائية. والسبب، بحسب المراد، هو عدم تضامن النساء داخل الحزب وتكاتفهنّ معاً، وعدم ثقتهنّ بأنفسهنّ. وهي تؤكد أنه من الضروري أن تضغط النساء على قادة الأحزاب لتسلم مناصب رفيعة. وتشير إلى أن على النساء المنتسبات للأحزاب، مراقبة النظام الداخلي للحزب، ليستطعن تبوؤ مركز الرئاسة دون تعيين بل عبر الانتخابات، وذلك لأنّه لا يتمّ اعتماد هذه السياسة في الأحزاب في لبنان. وتشددّ على ضرورة وضع كوتا على مقاعد اللجان والمراكز التنفيذية في الأحزاب على مستوى المناطق بنسبة 30%، بالإضافة إلى اقتراح مشاريع سياسية لتوقية الحزب وتعزيز تواجدها فيه."


لا شك في أن المرأة أثبتت كفايتها وقدرتها على اتخاذ قرارات صائبة، وهناك نماذج عدة في العالم، قديمة وحديثة، من كليوباترا وزنوبيا مروراً بـ "المرأة الحديد" مارغريت تاتشر التي غيّرت النموذج البريطاني وصولاً إلى الرئيسة البرازيلية ديلما دو روسيف وصولاً إلى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل المرأة الأقوى في أوروبا. والأكيد أن اللبنانيات يتمتعن بالكفايات والطاقات المميزة ليبرعن في كل الحقول، وهن يتمتّعن بروح التعاون والقدرة في اتخاذ قرارات مبنية على التوافق في الآراء، إذ تؤكّد دراسة نشرت في 18 أيلول 2014 في جريدة PLOS ONE، من جامعة Aalto الفنلندية ذلك. كما وأثبتت دراسة أخرى صدرت في 11 آب 2014 من عن جامعة Washington الأميركية، أنّ النساء يتفوّقن على الرجال في مجال الابتكار والتعاون داخل المجموعات، إذ تدفع بالفريق إلى التقدّم. كما تشير إلى أنّ المرأة تعطي أفضل ما عندها في حالات المنافسة، لذلك ينصح باحثو هذه الجامعة بإضافة العنصر النسائي إلى الفريق، لرفع نسبة التحدي، تقوية التعاون بين أعضاء الفريق وتحفيز الابتكار. ومشاركة النساء ضرورة كذلك لضمان السلام والازدهار، فقد ورد في كتاب Gender and corruption لـ Anand Swamy، Stephen Knack، Young Lee و Omar Azfar أنّ وجود النساء في الحكم يخفف من الفساد في الدولة. البصمة النسائية في الحياة السياسية، إذاً، ضرورية لبناء وطن حديث وتحقيق ديموقراطية فعلية.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم