الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

الراعي: إذا تواصل الإمعان في الازدراء بالشريعة الأخلاقية تفاقم الظلم وعم الفساد

المصدر: " الوكالة الوطنية للإعلام"
الراعي: إذا تواصل الإمعان في الازدراء بالشريعة الأخلاقية تفاقم الظلم وعم الفساد
الراعي: إذا تواصل الإمعان في الازدراء بالشريعة الأخلاقية تفاقم الظلم وعم الفساد
A+ A-

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الاحد على مذبح الكنيسة الخارجية للصرح، رفع خلاله الشكر للرب على نجاح العملية الجراحية التي خضع لها والدعاء من أجل الذين رافقوه بصلاة التشفع، عاونه فيه المطارنة بولس الصياح، حنا علوان، عاد ابي كرم وطانيوس الخوري، والآباء انطوان خليفة، عصام ابي خليل، جوزف البواري، فيكتور كيروز ونبيه الترس، وحضر القداس وزيرة المهجرين أليس شبطيني، رئيس المجلس العام الماروني الوزير السابق وديع الخازن، رئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي جان فهد، مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر، مدير الدفاع المدني العميد ريمون خطار، النائب السابق مهى الخوري اسعد، قائمقام كسروان الفتوح جوزف منصور، عضو المؤسسة المارونية للانتشار سركيس سركيس، رئيس جبهة الحرية فؤاد ابو ناضر، السفير شربل اسطفان، وفد من القضاة في لبنان، رئيس مؤسسة البطريرك صفير الدكتور الياس صفير وحشد من المؤمنين.


بعد الانجيل المقدس، ألقى الراعي عظة الأحد متوجهاً بالشكر بالشكر إلى أصحاب الغبطة البطاركة وسيادة السفير البابوي ومن خلاله الكردينال Leonardo Sandri والسادة المطارنة، ورؤساء الجمهورية السابقين، وأصحاب الدولة والوزراء والنواب، وقيادة الجيش والقادة العسكريين من مختلف الأجهزة والقوى الأمنية، وإلى الرؤساء العامين والرئيسات العامات، وحبسائنا، والرهبان والراهبات والأديار، والكهنة مع رعاياهم، وإلى الجماعات الرسولية، وسائر الشخصيات على تنوعها، وكل كبير وصغير. وأعرب أيضا عن امتناني لإدارة مستشفى سيدة المعونات وأطبائها والممرضات والممرضين. فأشكرهم على عنايتهم الخاصة وحضورهم ومحبتهم. كما أشكر إدارة مستشفى عين وأذن وأطباءها والممرضات الذين بدأوا المعالجة. في الحقيقة ليس بالأمر السهل، ولا يتسع الوقت لذكر الجميع. لكني أقول: أنتم جميعكم في قلبي وصلاتي، وأسأل الله أن يكافئكم بفيض من نعمه وبركاته".


أضاف: "تشارك معنا في هذه الذبيحة المقدسة عائلة العزيز المرحوم كميل غياض الذي يعرفه الجميع، وقد تولى لمدة إحدى وثلاثين سنة خدمة الهاتف والاستعلامات في هذا الكرسي البطريركي. نسأل لنفسه الراحة في الملكوت السماوي، ونجدد التعازي لزوجته وأولاده وسائر أنسبائهم".


وقال: "كنت جائعا فأطعمتموني" (متى 25: 42). يتكلم الرب يسوع في إنجيل اليوم، على سبيل المثال لا الحصر، عن ست حاجات يمر فيها الإنسان: الجوع والعطش والغربة والعري والمرض والسجن (راجع متى 25: 35-36). وهي حاجات لا تقتصر على الشأن المادي بل تشمل أيضا الروحي والمعنوي والثقافي والاجتماعي.


فالجائع يجوع إلى خبز وطعام، وإلى كلمة الله والعلم. والعطشان يعطش إلى ماء وعدالة وإنصاف وكلمة حق، وإلى غفران ومصالحة. والغريب غريب عن وطنه ومحيطه، وغريب أيضا عن ذاته وداخله، وعن أهل بيته، وعائش في غربة نفسية وعاطفية في قلب عائلته ومجتمعه.


والعريان يفتقر إلى ثوب ولباس، لكنه أيضا يعرى من كرامته وحسن صيته بالنميمة والسخرية والتجني والافتراء والكلام الكاذب عنه. والمريض مريض في جسده وأعصابه وعقله وانحرافاته المرضية من نوع الانحرافات الجنسية والإدمان على السكر والمخدرات ولعب القمار. والسجين سجين في الأسر وراء القضبان، وأسير شهواته ونزواته، وأسير مواقفه وآرائه، وفاقد إرادته وقدرته على التمييز باستعباده لأشخاص وإيديولوجيات ومصالح رخيصة لا يميز معها بين الخير والشر، وبين العدل والظلم، وبين الحقيقة والكذب".


وتابع: "هذه حالات يمر فيها أو في بعضها كل كبير وصغير، وهو في حالته هذه من "إخوة يسوع الصغار" (متى 35: 40). ومدعو ليستحضر المسيح في حالته وألمه، ويعطيها من آلام المسيح قيمة خلاصية وبعد فداء، على مثال بولس الرسول: "إني أتم في جسدي ما نقص من آلام المسيح" (كول 1: 24). وفي الوقت عينه هو، في حالته الإيجابية، من المدعوين لمساعدة غيره من هؤلاء "الإخوة" ، مكرما فيهم شخص المسيح وآلام الفداء الجارية فيهم. عندما تكون أنت "من إخوة يسوع الصغار"، فهذه لك نعمة كما علمتنا القديسة رفقا، رسولة الألم، والتي طلبت من المسيح الفادي أن يشركها في آلامه لخلاص العالم. وهذه نعمةٌ ذات بعد رسالي، وقد عاشته القديسة تريز الطفل يسوع، التي أعلنتها الكنيسة شفيعة المرسلين والمرسلات، هي التي، في غرفتها وعلى فراش آلامها، كانت تقدم كل أوجاعها من أجل المرسلين في العالم، وانتشار إنجيل المسيح في كل مجتمع بشري، ولا سيما في البلدان والمناطق التي ما زال فيها مجهولا.أما عندما تكون أمام "أخوة يسوع الصغار" الذين يحتاجون إلى محبتك، فهذه لك دعوة ومسؤولية ستدان عليها".


وقال: "إنجيل اليوم يرسم لنا، في المحبة الإجتماعية، الطريق إلى الله، وإلى الخلاص الأبدي، وعليها سندان في مساء الحياة، وبها منوط خلاصنا أو هلاكنا الأبدي (راجع متى 25: 34 و41 و46). تغتال المحبة الإجتماعية ويتسبب الإنسان بهلاكه الأبدي، بوسيليتين حادتين: إقتصاد الإقصاء وصنمية المال، يتكلم عنها قداسة البابا فرنسيس في إرشاده الرسولي "فرح الإنجيل". فيكتب: تتسع وصية "لا تقتل" لتشمل اقتصاد الإقصاء والتفاوت الاجتماعي. الاقتصاد والتفاوت يقتلان حيث "يقصى" أشخاص وجماعات يتضورون جوعا، في حين تكدس الأموال وثروات الأرض، ويرمى الطعام؛ وحيث المقتدر يأكل الأضعف؛ وحيث يرى الناس أنفسهم منبوذين ومهمشين بدون عمل وآفاق مستقبلية؛ وحيث يعتبر الكائن البشري سلعة استهلاك واستغلال واستعمال، تستخدم ثم ترمى (راجع الفقرة 53). فمن واجب الكنيسة أن تناضل من أجل إعادة كرامة الإنسان والشخص البشري إلى مقامها الذي يريده الله".


وتابع: "تأتي صنمية المال المسيطرة على مجتمعاتنا، والمعيدة عبادة العجل الذهبي القديم (راجع تك 32: 1-35)، لتنكر أولوية الكائن البشري، وتخلق ديكتاتورية جديدة، ينتفي منها الوجه الإنساني. إن في أساس صنمية المال هذه والديكتاتورية الجديدة، أزمة أنتروبولوجية. فمن واجب الكنيسة أن تواصل نشر ثقافة تؤنسن المجتمع، وبخاصة عالم الاقتصاد والنظام المالي، على المستويين الوطني والدولي".


أضاف: "في كل حال تجب العودة إلى الأخلاق، بحسب شريعة الله، لصالح كل كائن بشري. فلا يجوز الازدراء المتهكم بالأخلاق، بل يجب احترامها لكي يقوم توازن ونظام اجتماعي أكثر إنسانية وعدالة. من هذه الشريعة الأخلاقية تولد العدالة والتضامن. يقول القديس يوحنا فم الذهب أن "عدم إشراك الفقراء في خيراتنا الشخصية هو سرقتهم وقتلهم. فما نحوز عليه في الدنيا ليس ملكا لنا، بل إنه ملك لهم". وبالتالي لا يحق لمالنا وأملاكنا أن تحكم، بل عليها أن تخدم، فتدعونا للتضامن، الذي هو العزم الثابت على أن نشعر أننا مسؤولون كلنا عن كلنا.
إذا تواصل الإمعان في الازدراء بالشريعة الإلهية والشريعة الأخلاقية، تفاقم الظلم، وعم الفساد، وازداد روح الاستهلاك والمادية، وتعاظم التفاوت الاجتماعي، فيتولد العنف عاجلا أم آجلا، وإذا تفشى، عجز السلاح عن قمعه، وإذا فعل، ولد نزاعات جديدة وأسوا شرا. الكنيسة تواجه كل هذه التحديات بعملها الروحي والراعوي ومحبتها الاجتماعية (راجع الفقرات 55-60)".


وختم الراعي: "يمر مجتمعنا اللبناني اليوم في هذا الواقع المر، بسبب انعدام الشفافية، واستسهال هدر المال العام، بمخالفة القوانين والأصول في العقود والالتزامات، وإعطاء الأولوية للمصالح الخاصة، والتفريط بمقدرات الدولة، وإهمال مطالب الموظفين، وصم الآذان عن سماع صوتهم وعن التحاور معهم، ونحن نتغنى بأننا نعيش في بلد ديمقراطي. فلا بد من كسر حلقة الفساد، والمحافظة على خزينة الدولة وقدراتها من أجل تأمين فرص عمل لشبابنا.
هذه كلها تخضع لدينونة الله، بحسب إنجيل اليوم. وهي دعوة للمحبة الاجتماعية على المستوى السياسي والاقتصادي والمعيشي، وليس فقط على المستوى الروحي. ولنعلم كلنا أن بها منوط خلاصنا وهلاكنا الأبديين.


نسأل الله أن يفيض هذه المحبة في قلوب الجميع، لكي نرفع من قلوب نقية مقدسة بالمحبة نشيد المجد والتسبيح للآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم