الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

قصة ريتا التي حُرمت اللعب مع أولاد جيلها

المصدر: "النهار"
نيكول طعمة
قصة ريتا التي حُرمت اللعب مع أولاد جيلها
قصة ريتا التي حُرمت اللعب مع أولاد جيلها
A+ A-

قصة واقعية عمرها 35 سنة. فيها الكثير من المرارة والأوجاع يقابلها القليل من لحظات الفرح والطمأنينة... بإيمانها القوي وعزيمتها الصلبة، تحدّت ريتا مقصود إعاقتها الدائمة بكل مراحلها الصعبة التي واجهتها، لتكون أمثولة لكل من يتعرّف عليها وعبرة لكل إنسان ضعيف.


قصة ريتا مؤثّرة جداً تستأهل التوقف عندها. روت لـ"النهار" أبرز مراحلها المريرة التي عاشتها وما زالت تصارع بحبها للحياة وصبرها اللامحدود، قائلة: "وُلدت مصابة بإعاقة حركية دائمة أي شلل شبه كامل. لم أتذكّر طفولتي إلا في المستشفيات وبـ"الجفصين"، ومكثت أيامي في المستشفى أكثر منها في المنزل".
دخلت المستشفى وهي في عمر الأسبوعين وخضعت لأول عملية "فك الوركين". ومنذ ذلك الحين توالت العمليات حتى وصل عددها إلى 22 عملية شملت مفاصل كل جسدها، وفي حينها كانت في العشر سنوات.


أقل ما تقول عن تلك الحقبة "إنها حقبة موجعة لطفولتي مادياً ومعنوياً، والأصعب من ذلك أن سبب تلك العمليات كان لا لأصبح في حال أفضل أو لأشفى، بل فقط لتخفيف بعض العذاب والآلام في اعوجاج يدي وقدماي. وبنتيجة ذلك حُرمت الجلوس على مقعد الدراسة واللعب مع أولاد جيلي، حتى لم أعرف يوماً معنى الترفيه أو الفرح".


تردف بغصة: "كان يُساورني شعور دومأ بأنني أتيت من كوكب آخر وفرضت على هذه الدنيا بسبب نظرة المجتمع لي ولعائلتي بفعل القساوة والظلم والأحكام المسبقة علينا".


من المدرسة إلى المجتمع
عندما تتحدّث إلى ريتا تلمس منها نفحة من الإيجابية مع بسمة لا تفارق وجهها مع أن وضعها الصحي يتراجع تدريجاً، ولا يتحمّل المزيد من العمليات والعلاج. فقرر ذووها ألا تبقى في المنزل والحاقها بأي مؤسسة تُعنى بشؤون ذوي الإعاقة، علّها تتمكّن من كتابة اسمها رغم صعوبة استخدام أصابعها الملتوية، وأن تنخرط مع زملاء مثلها وتندمج في ما بعد في المجتمع.


في البداية، لم يكن الأمر بهذه السهولة على ريتا التي اعتادت أمها أن تهتم بها، تقول، "ولم أكن أتوقع أن مؤسسة "الكفاءات" قد تستقبلني ضمن اسرتها لعدم قدرتي على تسوية أموري الشخصية بمفردي، وأن أكون استقلالية، لأن والدتي كانت تهتم بكل شيء: مأكلي، مشربي، ملبسي، مع أنني وضعت في سن الـ12 جهازاً في رجلي يساعدني بعض الشيء على المشي".
وما إن بدأت تتأقلم في محيطها الجديد وتتكيّف مع رفاقها أكثر، حتى أضطرت مجدداً إلى ولوج المستشفى، "الأمر الذي أحبطني وأخذني إلى التفكير في ليلة يأئسة بالانتحار طالما أن هدف العمليات يقتصر فقط على تقلّص الأوجاع لفترة وجيزة ثم معاودتها من جديد".


ماذا بعد؟
عزيمة عائلة ريتا كانت أقوى من الحواجز التي أعاقت تحقيق أحلامها، فبفضل مؤسسة "أنت أخي" وجدت نفسها وتعلّمت الكثير خلال الـ5 أعوام التي أمضتها هناك. تخبر ريتا عن تجربتها في المؤسسة التي غادرتها في الـ23، "تعلمّت ألا أخجل من إعاقتي بين الناس والمجتمع وحظيت برعاية وإحاطة مميّزتين، ما شجّعني على الإنتقال إلى العيش مع زميلات لي والإتكال على نفسي قدر المستطاع في مركز للمنامة مجهّز هندسياً تابع لـCRC".
قرارها هذا لم يأتِ من العدم، فهي تدرك اليوم أنها في الـ35، "وأعلم تماماً أنني كلما أكبر يصعب عليّ الأمر وأُفكّر ملياً ماذا سيحل بي بعد سنوات، خصوصاً أنه بات صعباً على أمي ووالدي الإهتمام بي كما في السابق، لا سيّما أن والدتي تعاني مشكلات صحية كالسكري، ارتفاع الضغط، ضعف في النظر وغيرها، وأبي يمّر بظروف قاهرة جدا، وبالتالي لا أريد أن ألقي أعبائي على شقيقاتي اللواتي يتحملّن مشكلات العائلة معي ويساعدننا وفق إمكاناتهن المادية على إعانة ذوينا".


إلى أن أتت الفرحة في 2007 التي عبرّت عنها ريتا عندما حقق لها المحامي هادي خوند رغبتها في إيجاد وظيفة في شركة (GlobeMed Lebanon)، في منطقة سن الفيل، إذ تعمل على توزيع المخابرات الهاتفية. تقول: "لا أفوت مرة مناسبة اشكر فيها مدير الشركة والزملاء على تقديرهم لي والوقوف دوماً إلى جانبي". أما العقبة الكبيرة فكانت في إيجاد منزل في المنطقة عينها يلائم حاجاتها، تفيد، "استأجرت منزلاً متواضعاً وساعدني كثر في تجهيزه وإصلاح ما يمكن فيه".


والمعلوم أن ريتا تستخدم الكرسي المتحرك على الكهرباء، التي تتنقل فيها ذهاباً وإياباً إلى العمل في الصيف فقط، لكن في أيام الشتاء يقلها شخص مقابل راتب شهري.


هواجس تؤرقها يومياً
أمام تقاعس الدولة عن توفير أدنى الحقوق الأساسية لأصحاب الحاجات الخاصة، ما هي الهواجس التي تؤرق ريتا وغيرها من المعوّقين، لا سيّما أنها تأخذ على عاتقها تطبيب ذويها؟


"ما يسعى إليه كل شخص، وبصورة خاصة المعوّق أن يكون مستوراً في بيت يملكه لآخرته، بدل أن تكون نهايته في مأوى أو يُرمى على الطريق. هذا لا أتمناه إطلاقاً". تتابع: "صحيح أني استأجرت منزلاً تتسرّب من جدرانه المياه لعدم صيانة المبنى بأكمله، عدا عن أن صاحبته تمنّني من حين إلى آخر وأنا أدفع لها 250 دولاراً شهرياً وهي تطالبني بالمزيد بعد أشهر. لذلك، طموحي أن أتمكن من تقسيط شقة على الإسكان، إلا أن العقبة في الموضوع أن راتب 700 دولار لا يخولني الحصول على قرض من الإسكان". ريتا عثرت بعد 4 أعوام على منزل أرضي مجهّز لحالتها في سن الفيل، وصاحب العقار يطلب مبلغ 100 الف دولار نقداً سعر البيت.


لعّله في هذه الحال تُقدم المصارف على خطوة جريئة تجاه ذوي الحاجات الخاصة وتخصيصهم بقروض مدروسة وبفوائد قليلة تسهّل عليهم إمكان تقسيط شراء منزل، محققين بذلك العيش الكريم والمحترم دون منّة أحد.


[email protected]
Twitter: @NicoleTohme

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم