الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

320 مليار أورو تحدد مصير اليونان

موريس متى
320 مليار أورو تحدد مصير اليونان
320 مليار أورو تحدد مصير اليونان
A+ A-

ارتفعت في الفترة الاخيرة المخاوف حيال تداعيات إمكان فوز حزب "سيريزا" الرافض للتقشف في اليونان في الانتخابات التشريعية التي أتت بعد أن فشل البرلمان في ثلاث جولات متتالية بانتخاب رئيس جديد للبلاد، مما حتم اجراء إنتخابات تشريعية مبكرة استنادا للدستور اليوناني.


فرئيس حزب "سيريزا" اليساري المعارض أليكسيس تسيبراس يطالب باستقلال اليونان عن منطقة الأورو، في الوقت الذي يرفض فيه حزب المحافظين الحاكم هذا الاقتراح، ويدعو لاعتماد البرنامج التقشفي وجدولة ديون اليونان. ويرفض "سيريزا" سياسة التقشف المفروضة على البلاد فنذ سنوات كما يطالب بإعادة هيكلة الديون العامة، ويؤكد ان اجراءات الخصخصة التي تمت خلال السنوات الأخيرة لم تساهم في تخفيض هذه الديون، بل أتت لخدمة مصالح فئات معينة في البلاد وخارجها.


وبحسب هيئة الإحصاء اليونانية، فإن اجمالي الديون السيادية المتراكمة على اليونان بلغت نهاية الربع الثالث من 2014، نحو 315.5 مليار أورو، مقارنة بنحو 317.53 مليار أورو نهاية الربع الثاني من العام، على الرغم من برنامج الإصلاح الاقتصادي وسياسة التقشف الصارمة التي فرضتها الحكومة بضغوط من الترويكا الدولية (الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي) والدائنين الدوليين.


وفي هذا السياق، يؤكد جورج باباندريو زعيم حركة الديموقراطيين الاشتراكيين ورئيس الوزراء الأسبق، على ضرورة إجراء استفتاء شعبي في شأن هذه الديون، حتى يقرر الشعب ما هي التغيرات التي يجب إقرارها لضمان عدم اتخاذ أية حكومة في المستقبل قرارات ضد اليونانيين. واقترح باباندريو عقد مؤتمر دولي بعد الانتخابات، تشارك فيه كل الأحزاب والخبراء من الداخل والخارج لوضع اطار شامل للتفاوض حول الديون، كما شدد على ضرورة تمديد فترة سداد السندات المستحقة الصرف على اليونان لما لا يقل عن 70 عاما ووضع خطة لإصلاح الإدارات العامة.


السكرتير العام للحزب الشيوعي اليوناني ديمتري كوتسوباس يعتبر بدوره أنه مهما كانت نتائج الانتخابات ومهما كان شكل الحكومة التي سيتم تأليفها، فإن الشعب سيكون الضحية الوحيدة لإجراءات التقشف التي سيتم فرضها تحت مسميات مختلفة. أما "حزب النهر"، الذي تم تأسيسه أخيراً، فيشير الى أهمية وضرورة إعادة جدولة إجمالي الديون عبر خفض قيمتها الاسمية الى وتمديد فترة سدادها، بالاضافة الى تمديد العمل بسعر الفائدة المخفض، نظرا لضخامة حجم هذه الديون مقارنة مع إجمالي الناتج المحلي للبلاد.


رفض أوروبي ودولي
سلسلة من التصريحات الاوروبية والدولية صدرت في الفترة الاخيرة حول موضوع الديون اليونانية وكيفية التعاطي معها في الفترة المقبلة. ومنها لرئيس الوزراء الفنلندي أليكس ستوب الذي أكد خلال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، الى ان حزب "سيريزا" اليوناني يتفاوض بالفعل على صفقة لتخفيف عبء الديون حال فوزه في الانتخابات. وأكد أنه من الصعب جدا بالنسبة لليونان أن تتنازل عن أي قروض أو تعيد هيكلة أي دين في الوقت الحالي، مرجحا ان تواجه أثينا 3 سيناريوات في المستقبل، هي: إما أن الاستمرار في الأوضاع على ما هي عليه، أو أن تشهد فترة من عدم الاستقرار يتم في خلالها التفاوض على ملحقات الديون أو أن ينتهي بها الأمر بالخروج من منطقة الأورو. كما ذكر رئيس الوزراء الفنلندي انه سيقاوم بشكل حازم اي محاولة لشطب قسم من الديون اليونانية.


بدورها، تؤكد رئيسة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد إن خروج اليونان من الأورو سيكون له تأثير كارثي عليها وقد يتمد الى خارج حدودها، مشيرة إلى أن هذا الأمر ليس مسموح به وفقا لقواعد المنطقة. ولاغارد كانت واضحة جدا في ما يتعلق بهذا الملف، إذ قالت في إحدى مقابلاتها: "الدين هو دين، هذا عقد. والتخلف عن السداد أو اعادة الهيلكة أوتغيير المهل له عواقب على توقيع" بلد ما "وعلى الثقة في هذا التوقيع". وعلى رغم ذلك كان اقر صندوق النقد الدولي الدولي الذي يعد بين الجهات الدائنة لاثينا، بان قابلية استمرار الديون اليونانية على شكلها الحالي تشكل مصدر "قلق خطير"، وحض شركاءه الاوروبيين على "منحها تخفيفا اضافيا". أما وزير المال الالماني فولفغانغ شويبله فحذر مرارا من انه يتعين على اليونان احترام كافة تعهداتها الاوروبية والدولية، ولا يمكن لها شطب أي من الديون.


وعلى الرغم من ان قرارا شطب قسم من ديون اليونان غير وارد حاليا، الا ان العديد من الخبراء يدعون لإعادة ترتيب الاستحقاقات اليونانية بطريقة تستطيع من خلالها اي حكومة يتم تشكيلها في الأيام المقبلة اللاتزام بتسديدها. وفي مقابل ذلك، هنالك مع يعتبر ان القارة الاوروبية فعلت الكثير لإنقاذ اليونان، ولا يمكنها تحمل المزيد. فاليونان بحسب الرافضين لفكرة إقرار المزيد من الاجراءات لمساعدتها، أفادت من خفض مستمر لمعدلات الفوائد وتمديد لاستحقاق القروض التي حصلت عليها والذي يتجاوز في المعدل 30 عاما، بالاضافة الى نقل منافع الى اثينا يحققها المركزي الاوروبي من عملية اعادة بيع السندات اليونانية وتاخير مهل التسديد لنحو 10 سنوات.


اليونان...والوضع المالي
في نيسان 2010، عصفت أزمة الدين السيادي بالاقتصاد اليوناني، حينها طلبت الحكومة من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي تفعيل خطة إنقاذ تتضمن قروضا لمساعدتها على تجنب خطر التعثر والتخلف عن السداد. وقتها هددت الأزمة اليونانية استقرار منطقة الأورو وطرحت فكرة خروج اليونان من العملة الموحدة، إلا أن أوروبا قررت تقديم المساعدة إلى أثينا مقابل تنفيذها إصلاحات اقتصادية واجراءات تقشفية. ووافقت حكومة ساماراس الائتلافية مع الاشتراكيين في حزب باسوك منذ العام 2010 على كل الاجراءات الاصلاحية التي طلبها الدائنون مقابل منح أثينا قرضا بقيمة 240 مليار أورو منذ 2010 لإنقاذها من ازمتها. وشملت هذه الاجراءات تخفيضات كبيرة في الرواتب، وزيادة الضرائب، وتجميد برامج التقاعد الحكومية، وحظر التقاعد المبكر، ولغاء الوظائف وخصخصت القطاعات (...). ولكن الى أي مدى نجح برنامج التقشف؟


بعد مرور نحو 5 سنوات على إقرار برنامج الإنقاذ والاجراءات التقشفية التي رافقته، يبدو الاقتصاد اليوناني الكلي في حال أفضل الى حد ما، لكن اليونانيين في حياتهم اليومية لا يهتمون بالعودة الناجحة لاسواق السندات الدولية، مثل اهتمامهم بنسب البطالة المرتفعة او برواتبهم التي خفضت بمقدار النصف من تاريخ اندلاع الازمة أو بزيادة ساعات العمل دون مقابل. فرغم التقدم على الصعيد الاقتصادي، فالتراجح سُجل وبشكل كبير على الصعيد الاجتماعي والمعيشي.


فاليونان تمكنت من تسجيل فائض أولي في موازنتها نهاية العام 2014 ، بعد عجز متتالي منذ العام 2009. وإنتقلت البلاد من عجز في الموازنة عام 2009 عند 10.7% من الناتج المحلي الى فائض عند 2.7% نهاية العام 2014. وتسجيل الفائض يعني أن الحكومة تمكنت من الحصول على أموال أكثر مما انفقت لتنجح بتحقيق الاهداف التي نص عليها برنامج الإنقاذ الدولي قبل الموعد الذي حدده المقرضون.


وفي ما يتعلق بوضع الاقتصاد الكلي، وبعد تراجع حجم الاقتصاد بأكثر من 25% خلال السنوات الخمس الماضية مقارنة مع مطلع العام 2010 ، نجحت اليونان بالعودة لتحقيق معدلات نمو ولو ضعيفة، لتنتقل من حال الركود والانكماش الى النمو عند 0.7% نهاية عام 2014. اما القطاع المصرفي، فعادت اليه المرونة بدرجة أكبر من السنوات الماضية بعد أن تمت إعادة هيكلة القطاع وتقلص عدد المصارف العالمة فيه من 18 مصرفا تجارياً إلى 4 فصارف فقط. وكشف اختبار التحمل الأخير للبنوك اليونانية (Stress Test) ان الوضع المالي للقطاع أصبح أقوى مع عودة الثقة الداخلية والدولية اليه.


الشعب دفع الثمن
وعلى رغم هذه الايجابية، فالشعب وحده دفع ثمن التقشف والاصلاح. فقد أظهرت أخر البيانات الرسمية ان البطالة تبقى من أكبر المشكلات التي تواجه اليونان في الوقت الحالي وحكما في الفترة المقبلة. فقد بلغ معدل البطالة في البلاد منذ 5 أعوام نحو 12%، في حين تجاوز العام الماضي مستوى 26%. كما تراجعت فرص الوظائف بالنسبة للشباب اليوناني بدرجة أكبر، إذ أن نحو نصف الشباب أصبح خارج سوق العمل. وفي سياق متصل، يتقاضى العاملون في اليونان حاليا رواتب أقل مقارنة مع المستويات المسجلة ما قبل عام 2010. فمعدل الأجور في البلاد كان إرتفع بمعدل 12.5% على أساس سنوي عام 2010، إلا أنه بدأ بالتراجع منذ ذلك التاريخ، ليسجل هبوطًا عام 2013 بأكثر من 12% على أساس سنوي. يضاف الى هذه المشكلات ما يتعلق بسن التقاعد. فقد أقرت الحكومة اليونانية رفع سن التقاعد من 31 عاما الى 65 عاما مع توقعات برفعه مجددًا خلال الأعوام المقبلة إلى 67 عاماً.
وباختصار، أيا كان الفائز في الانتخابات التشريعية، فضرورة تخفيض الديون الضخمة البالغة 177.7 % من إجمالي الناتج الداخلي، والتي تملك دول الأورو القسم الاكبر، ستطرح نفسها في الأشهر المقبلة بقوة على الساحة الداخلية وعلى صعيد القارة الاوروبية بشكل عام. كما سيكون على الحكومة المقبلة وضع سلسلة إجراءات تعد تحسين الوضع المعيشي للمواطنيين لوضع حد لنمو شعبية اليسار المتطرف في البلاد حامل شعلة إلغاء التقشف والخروج من الأورو.


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم