الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

الراعي خلال لقاء المحكمة الروحية: القاضي خادمُ العدالة

الراعي خلال لقاء المحكمة الروحية: القاضي خادمُ العدالة
الراعي خلال لقاء المحكمة الروحية: القاضي خادمُ العدالة
A+ A-

أعرب البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي خلال لقاء المحكمة الروحية السنوي في بكركي، عن ألمه لغياب "المثلث الرحمة المطران منصور حبيقه الذي عمل في محكمتَينا هاتَين حوالى اربعين سنة وكان في هذه السنوات الخمس عشرة الأخيرة رئيسًا لمحكمتنا الاستئنافية ومشرفًا على المحاكم. أوجّه تحيّة خاصّة لسيادة المطران حنا علوان المشرف العام على توزيع العدالة، الذي يتولّى أيضًا مشكورًا الإشراف على محاكمنا، ريثما ينتخب السّادة مطارنة لبنان مطرانًا مشرفًا على المحكمة الابتدائية الموحّدة، خلفًا للمثلّث الرحمة المطران منصور حبيقة. كما أحيِّي المونسنيور نبيه معوّض، رئيس المحكمة الإبتدائية الموحّدة، شاكرًا إيّاه على الكلمة اللّطيفة التي تفضّل بها باسمكم.وقد توقّف على واقع العائلة المارونية، والأخطار التي تتعرّض لها".


وتابع: "في هذا اللِّقاء يطيب لي أن أتأمّل معكم في سموِّ مهمّتكم في خدمة العدالة كقضاة وموظَّفين قضائيِّين في محكمتَينا الابتدائية الموحّدة والبطريركية الاستئنافية. أنتم خدّام بل كهنة العدالة، هذه الفضيلة التي تولّد السلام، على ما يقول أشعيا النبي (أش32: 7). فالعدالة بمفهومها اللاهوتي هي الإرادة الدائمة والثابتة لإعطاء ما يتوجّب لله في البُعد الروحي، وللإنسان في البُعد الاجتماعي بحيث تُحترم حقوقه، ويتعزّز الانسجام بين الناس في علاقاتهم؛ والإنصاف بالنسبة إلى الأشخاص والخير العام. العدالة واحدة في طبيعتها لكنّها متعدّدة في وجوهها وأبعادها: ثمّة في الأساس العدالة التبادلية التي تنظّم المبادلات بين الأشخاص والمؤسّسات باحترام صادق لحقوق كلّ فريق. إنّها تقتضي المحافظة على الحقوق، والقيام بالواجبات، والوفاء للإلتزامات. بدون هذه العدالة التبادلية، لا مجال لقيام أي صيغة أخرى للعدالة. هذا هو دور محاكمنا بالنسبة للمتداعين أمامها. فهم يطالبون بحقوق لهم، وبواجبات غيرهم تجاههم، وهي تحكم في مطالبهم". 


وأضاف: "هناك  العدالة القانونية التي تُلزم المواطن أو المؤمن بإيفاء ما يتوجّب عليه تجاه جماعة أو مؤسّسة. في إطارها تدخل رسوم المحكمة على المدّعين المنشورة والمعروفة من الجميع. والمحكمة، بحكم المحبة تعفي منها كلّيًا أو جزئيًّا غير القادرين في ما يُسمّى "بالمعونة القضائية"، لكي لا يُحرَم أحدٌ من العدالة بسبب عجزه المادّي؛ هناك العدالة التوزيعيّة التي تُلزم الجماعة أو المؤسّسة بتأدية واجبها تجاه المواطنين أو المؤمنين وفقًا لمساهماتهم وحاجاتهم. في سياقها يدخل واجب القضاة والموظّفين القضائيّين في محاكمنا بأداء خدمة العدالة لطالبيها بسرعة وموضوعية واحترام للحقوق والقوانين.


العدالة، بكلّ وجوهها، هي أساس السلام. وكلاهما يتحدّران من الأمانة لله ولإرادته. وبهما يستتبّ النظام الاجتماعي ويتوفّر الخير العام، أكان في العائلة أم في المجتمع أم في الدولة، وتُحمى العدالة الاجتماعية والإنصاف وكرامة الشخص البشري وأوضاع الحياة الأكثر إنسانية وطمأنينة". 


وعن العدالة الاجتماعية، قال: "في كلّ مكوّنات هذا الإطار تأتي العدالة القضائية التي أنتم خَدَمتها وكهنتها. يأتيكم أزواج متخاصمون على حقوق وواجبات في حياتهم الزوجية والعائلية، ويأتيكم آخرون يطالبون بإعلان حقوقهم أو بمطالبة آخرين بواجبات لا يؤدّونها تجاههم، في إطار اختصاصكم وفقًا للقوانين الكنسية والأحوال الشخصية. هؤلاء يلتمسون منكم العدالة، وهذا حقّهم، لكي يعيشوا في حالة السلام الذي هو، على ما يقول أشعيا النبي، "عمل العدالة" (أش 32: 7). أنتم صانعو عدالة، إذن أنتم صانعو سلام في العائلة والمجتمع. عندما تنظرون في دعوى وتطبّقون القانون على الواقع في ضوء التعليم والاجتهاد والقرائن والعلامات والتحليل والتمحيص، إنما "تقولون القانون" وهذا هو معنى لفظة قاضٍ Iudexباللاتينية أي الذي "يقول القانون" في الحالة المطروحة أمامه (Ius dicere)، أي "يقول العدالة"، كما تتّضح أمام ضميره باليقين الأدبي. في هذا المعنى أنتم تحكمون بالعدل والإنصاف. إنّكم تفعلون ذلك باسم الكنيسة، والله نصب أعينكم، وأنتم أحرار من الذات ومن الغير". 


وعلّق على الإسراع في إصدار الأحكام بالقول: "لذا، تدعوكم قوانين الكنيسة للإسراع في إصدار أحكامكم، مع حماية العدالة، بحيث لا يتجاوز الحكم بشأن بطلان الزواج أو صحته السنة في المحكمة الابتدائية، والستة أشهر في المحكمة الاستئنافية (ق 1111). ما يعني إمكانية إصدارها قبل هاتَين المدّتَين الحاسمتَين؛ وما يقتضي المحافظة على المهل القانونية، وإيقاف تبادل اللوائح غير النافعة، وعدم التساهل في تغيّب المتداعين أو وكلائهم أو شهودهم، ووضع حدّ لطرق المماطلة التي يعتمدونها، وفي والسهر على تطبيق القوانين بهذا الشأن. والإسراع لا يسمح بإهمال البراهين المهمّة، أو بعدم قراءة جميع أعمال الدعوى وتقييمها، لكي لا يأتي الحكم مخالفًا للحقيقة وبالتالي للعدالة. الإسراع نفسه في إنهاء الدعاوى عدالة، لأنّ من حقّ المتداعين سماع كلمة الفصل من الكنيسة: نعم أم لا، وبأسرع وقت ممكن. والإسراع واجب محبة (البابا فرنسيس في خطابه إلى المشاركين في الدروس الروتالية، في 5/11/2014)". 


وتابع: "يوجـد وسائـل إدارية للإسـراع مثــل: تقــديم الـلـوائـح والمستندات على ثلاث نسخات كما يوجب نظام المحكمة الابتدائية (م 22 بند2) والمحكمة الاستئنافية (م 21 بند 2)، وسماع المحامين على القوس بدلًا من الإجابة بلوائح في القضايا الطارئة والمرتبطة بالدعوى الأساسية، ووضع مهل قصيرة ومنطقيّة لهم وللخبراء. من أجل هذه الغاية، أنشأ قداسة البابا فرنسيس لجنة خاصّة برئاسة المونسنيور Pio Pintoعميد محكمة الروتا الرومانية، للنظر في إمكان تسهيل أصول المحاكمات الكنسيّة وتقصيرها، وتفعيل النظر الإداري في بعض الدعاوى لدى دوائر الأبرشيات. وهذا مطلب أعرب عنه مجمع الكرادلة في الاجتماعات التي سبقت انتخاب البابا فرنسيس، وأوصت به من جديد جمعية سينودس الأساقفة في تشرين الأوّل الماضي بموضوع "التحديات الراعوية للعائلة في سياق الكرازة بالإنجيل". وبما أنّ عدد الدعاوى يتكاثر، ومن أجل الإسراع في بتّها، أوجبنا على قضاة المحكمة الابتدائية الموحّدة دوام خمسة أيام، وعلى قضاة المحكمة الاستئنافية يومَين، بدوام الساعات الكامل. وطالبنا بالتفرّغ من كل وظيفة أخرى تنال من الوقت اللازم للنظر في الدعاوى المرفوعة إلى محاكمنا". 


وتابع: "ولأنّ الميزة الأولى المطلوبة من القاضي هي الترفّع عن محاباة الوجوه، والتنزّه عن أي إغراء، والصمود بوجه الضغوطات الماديّة والمعنويّة، تمنعه الكنيسة، مع سائر الموظّفين القضائيين، من قبول أي هديّة أثناء القيام بالمهمّة القضائية (ق 1114). وتحظّر عليه ثلاثاً: رفض أو إهمال القيام بواجبه في خدمة العدالة، بالرغم من صلاحيته الأكيدة؛ وعدم تجاوز صلاحياته بالنظر في قضية لا صلاحية له فيها؛ وإفشاء السّر الذي يوجبه عليه الشّرع؛ والكلّ تحت طائلة العقوبة بموجب القانون 1115". 


سهر الكنيسة على الزواج والعائلة


وتابع الراعي: "إن الكنيسة الحريصة على سرّ الزواج وسعادة الزوجَين والعائلة، تسهر وتحضّ على العمل بإرادة الله الخالق الذي أسّس سرّ الزواج ووضع له وصايا ورسومًا، أوحاها في الكتب المقدّسة وكتبها في طبيعة الإنسان، جاعلًا منها شريعةً طبيعية؛ وتحثّ الكنيسة على العمل بموجب الرسالة الموكولة إليها من المسيح الفادي الذي بتجسّده في عائلة بشرية أعاد للزواج وللعائلة صورتَهما البهية، ورفع الزواج إلى رتبة سرٍّ يولي الزوجَين والعائلة نعمة الحضور الإلهي الذي يقدّس ويعضد ويوجِّه. ولذلك أنشأت الكنيسة في الأبرشيات مراكزَ تحضيرية للزواج، ومراكزَ إصغاءٍ ومواكبة للأزواج والعائلات في حالات التعثّر، من أجل حلّ النزاعات راعويًا قبل تفاقمها، وتجنّب الوصول إلى المحكمة الروحية. إنّنا نُوصي كهنة الرعايا بالسهر والتعاون مع هذه المراكز، من أجل معالجة المسائل الزوجية والعائلية راعويًّا وحبّيًّا، وأخذ الحيطة اللازمة لكي لا تتسلّمها الوسائل الإعلامية وتُشهّر بها، الأمر الذي ينال من خصوصية حياة الأزواج وأولادهم".


وقال: "أنشأنا في مبنى محكمتنا، بالتعاون مع مكتب راعوية الزواج والعائلة في الدائرة البطريركية، هيئةً لإجراء المصالحات بين الأزواج، وللمساعدة الحُبِّية والتوافق على حلّ القضايا المختصّة بحضانة الأولاد وحراستهم ومشاهدتهم ونفقتهم وسواها من الشؤون والمفاعيل المرتبطة بموضوع بطلان الزواج والهجر، بعيدًا عن التقاضي بقرارات تنتقل من البداية إلى الاستئناف، وهي بحدّ ذاتها بغيضة، وتوقف سير الدعوى الأساسية، وتطيل زمن التقاضي عبثًا". 


المحامون في خدمة الحقيقة


وعن دور المحامين، قال: "وبما أنَّ دور المحامين والوكلاء هو تسهيل عمل القضاة في خدمة توزيع العدالة، من خلال ما يدلون به من حقائق ووقائع في مرافعاتهم وفقًا للأصول القضائية، تعليمًا واجتهادًا، معتمدين الحقيقة الموضوعية، نظّمنا، بالاتّفاق مع نقابة المحامين في بيروت مشكورة دورات للمحامين المدنيّين في أصول المحاكمات الكنسيّة والاجتهاد القضائي والأحوال والشخصيّة، يشارك فيها أيضًا محامو نقابة طرابلس، والمحامون الكنسيّون الجدد.


إنَّ هذه الدورات ضروريّة للغاية من أجل خدمة أفضل للعدالة، وسعيًا إلى المزيد من الاختصاص والمهنية. فمعرفة أصول المحاكمات والتعليم القانوني والاجتهاد القضائي هي النور الذي يقود خطوات المحامين والوكلاء. فليس من العدل أن يقع المتداعون ضحيّةَ جهل المحامين والوكلاء، بحيث يصبحون أداة استغلال لهم، على حساب المحكمة وصيتها وكرامتها. إذا كان القاضي خادم العدالة وكاهنها، فالمحامي هو خادم الحقيقة وكاهنها". 


تشكّي بعض المواطنين


وقال: "يشتكي بعض المواطنين في الصالونات، وعبر وسائل الإعلام، وفي رسائل موجّهة إلينا، من المبالغ المالية الطائلة التي تقتضيها الدعاوى الكنسية، فضلًا عن البطء في بتّ الدعاوى لدى محاكمنا. فلا بدَّ من إعلام الرأي العام بالفصل بين رسوم المحكمة وأتعاب المحامين ووكلائهم. ولا علاقة مطلقة بين الأمرَين. يجب أن تنشر على باب المحكمة لائحة رسوم المحكمة ولائحة بدل أتعاب المحامين وسواها من الجداول المنصوص عليها في القسم الرابع من نظامَي المحكمتَين الابتدائية والاستئنافية، بغية الشفافيّة وخدمة المُتقاضين وتلافيًا للاستغلال. ويجب إعلام المتداعين بإمكانية الاختيار إما اعتماد استشارات المحامين وإما توكيلهم حيث بدل الأتعاب يختلف، كما هو ظاهر في الجداول. فيحظَّر على المحامين والوكلاء أن يقولوا للمتداعين أنَّ بدل أتعابهم يلزم أيضًا لدفع رسوم المحكمة و"شوفة خاطر القضاة"؛ أو أن يوهموا المتداعين بأنّهم ينالون مبتغاهم إذا دفعوا أكثر. هذا كلّه مخالف للعدالة ومضرّ بالمتداعين بل وظالم. ويجب إعلام المسؤولين في المحكمة بشأنه إذا حصل، خدمةً للعدالة وللخير العام. إنّ المادة 54 من نظام المحكمة الابتدائية والمادة 52 من نظام الاستئنافية تذكّران بما يُحرّم على المحامي والوكيل بشأن بدل الأتعاب وبالعقوبة التي تنزلها القوانين الكنسيّة في حال المخالفة. أمّا نحن فحريصون على تطبيق المعونة القضائية وفقًا للقانون الكنسيّ العام، ونظام المحكمتَين، والبطريركيّة تُغطّي كلفتها الباهظة، وأصحاب العلاقة يعلمون ذلك حقَّ العلم". 


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم