الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

خرق العالم العربي بمؤتمرات الحرية \r\nواخترق جدار مقاطعة مؤتمر دافوس

علي حماده
خرق العالم العربي بمؤتمرات الحرية \r\nواخترق جدار مقاطعة مؤتمر دافوس
خرق العالم العربي بمؤتمرات الحرية \r\nواخترق جدار مقاطعة مؤتمر دافوس
A+ A-

لم يكن جبران غريبا عن العالم الذي كان يحوطه. فبالنسبة اليه كانت الصحافة بوابته الى العالم الارحب. وعلى العكس من العديد من اقرانه في المهنة، فهم ان لا حياة ولا مستقبل لمؤسسة كبرى مثل"النهار" لتعيش، وتنمو، وتستمر ما لم تنفتح امامها الآفاق الواسعة عبر العلاقات الخارجية، بدءا من الوطن العربي، وصولا الى اوروبا واميركا.


في المرحلة التي مارس فيها جبران تويني الصحافة رئيسا لتحرير"النهار العربي والدولي" (1980-1990) منعته الحرب المستعرة في لبنان من التقاط فرص كثيرة تراءت له بإقامة شبكة علاقات عربية وعالمية كالتي عاد ورسخها في المرحلة التي امتدت من 1990 لغاية استشهاده في 2005.
والحق ان جبران كان يدرك ان مفتاح التقدم والريادة المستمرين في المهنة هو بالخروج من القوقعة اللبنانية، والذهاب الى مصادر التقدم والريادة والتجديد في الخارج. وكان بإعتباره ذا عقل تجريبي يعتبر ان الاستفادة من تجارب المؤسسات الاخرى، والتواصل مع تجارب منابر عالمية كبرى هي ثروة كبرى في ميدان العمل الصحافي، وهي التي ستجعل منه علامة فارقة في المهنة، فضلا عن كونها اثرت بشكل اوبآخر على تجربته السياسية التي توسعت آفاقها، ونضجت سنة بعد سنة. وهنا نتناول من بين تجاربه العديدة، تجربتي جبران تويني مع "الاتحاد العالمي للصحف"، و"المنتدى الاقتصادي العالمي" في دافوس.


"الاتحاد العالمي للصحف"
يوم سقط قصر بعبدا بعد خروج الجنرال ميشال عون منه، وبعد اغتيال داني شمعون في 20 تشرين الاول 1990، فهم جبران الرسالة، ولكنه لم يقبل المغادرة، واعتصم في منزله. لكنّ الضغوط الامنية والخطر على حياته فضلا عن المخاوف العائلية اجبرته على اختيار طريق المنفى الى باريس ليبدأ معها رحلة دامت ثلاثة اعوام، شابها إحباط في احيان، وعنفوان متجدد في احيان اخرى. وعندما استقر الوضع بجبران بجانب عائلته الصغيرة المكونة يومها من زوجته ميرنا ميشال المر وابنتيه نايلة وميشال، عاد ليفكر بـ"النهار" مجددا. ولكن هذه المرة من بوابة التواصل مع العالم. وارتبط حلمه باستقرار الامور السياسية في لبنان، لأن "النهار" صارت في حاجة الى ورشة لينفض عنها آثار الحرب التي وان لم توهنها في رسالتها، إلا انها ادت الى تقلص امكانياتها، وضمور آفاقها. فكان على جبران ان يفكر في طريقة من اجل العودة بـ"النهار" الى ما كانت عليه في السبعينات، اي اللحاق بركب التقدم والتواصل مع العالم الخارجي. وقد حانت الفرصة الاولى في باريس يوم وصلته ذات يوم من ربيع 1991 رسالة تضمنت دعوة من الاتحاد العالمي للصحف الذي يعقد مؤتمرات دورية مهنية في حقل الصحافة المكتوبة، لحضور ندوة بعنوان "آخر المستجدات في عالم الصحافة اليومية: كيف تتجدد الصحيفة وتتواصل مع مختلف شرائح القراء؟". وكما هو جبران في كل ما فعله في حياته لم يستغرق قراره بالحضور والمشاركة اكثر من لحظات معدودة، فقد رأى انه بعدما انخرط في المعركة السياسية في لبنان طوال الاعوام التي سبقت ذهابه الى المنفى، فإنه صار في حاجة ماسة الى العودة الى التركيز على مستقبل "النهار".
شارك جبران في الندوة، وتصرف في هذا الاطار وكأنه التلميذ الذي يتعلم من اقرانه الكبار في عالم الصحافة الاوروبية والعالمية من دون عقد. وكان يسجل محضرا مفصلا بالمواضيع ويضع بجانبها ملاحظاته الشخصية. وعند انتهاء الندوة بعد يومين، كان يعرف ماذا يريد تماما. كان القرار بإصدار ملحق "نهار الشباب" قد اتخذ، وذلك قبل صدورها بثلاثة اعوام. ولم يكن ينقصه سوى العودة الى لبنان لتنفيذ فكرته التي استوحاها من تجربة صحيفة بلجيكية كانت تشرك طلاب الجامعات والمدارس في تحرير مواد الملحق، لا بل ان الجريدة نفسها صدرت ذات يوم محررة بشكل شبه كامل بأقلام الطلاب والتلامذة وسميت التجربة ب"صحافي ليوم واحد" (طور جبران الفكرة لتكون نائباً ليوم واحد) !.
منذ تلك اللحظة فهم جبران اهمية التواصل مع "الاتحاد العالمي للصحف" الذي كان يضم اكثر من 18000 صحيفة عبر العالم في عضويته، وما من صحيفة عربية بينها. فكانت "النهار" الصحيفة اللبنانية الاولى والوحيدة التي اكتشفت هذا الخزان الثمين من الافكار والتجارب. وبعد الندوة الاولى انضم جبران الى عضوية المؤسسة، وصار يشارك في معظم مؤتمراتها ولقاءاتها عبر العالم، مُنشئا شبكة علاقات مهنية مع كبريات المجموعات الاعلامية في العالم في اوروبا والاميركيتين واليابان. وبدأت تلك العلاقات مهنية لتتحول في بضع سنوات علاقات حميمة. وفي الوقت عينه كان حلم جبران ان يضع لبنان على خريطة الاتحاد العالمي للصحف عبر بوابة "النهار"، من هنا بدأ قبل عودته من المنفى يفكر في طريقة، لتنظيم مؤتمر مركزي من مؤتمرات الاتحاد في لبنان. ودافع عن فكرته لدى مجلس ادارة الاتحاد بقوله ان العالم العربي غائب عن الاتحاد، وان ازمة الحريات تحتم على الاتحاد ان يقيم جسرا نحو الصحافة العربية للدفاع عن حرياتها، ولمساعدتها في الارتقاء المهني والتقني لتلتحق بالركب العالمي. ومن هنا قرر تنظيم مؤتمر الصحافة العربية في بيروت بالتعاون مع الاتحاد العالمي للصحافة.
وكانت الصيغة سابقة في اعمال الاتحاد منذ نشأته عام 1948. وهكذا وبعد عوته نظم جبران تويني في العامين 1994 و1996 مؤتمرين للصحافة العربية بثت اعمالهما مباشرة على القنوات التلفزيونية في لبنان والعالم العربي، وشارك فيها المئات من قادة الصحافة العربية، وعشرات الصحافيين والخبراء الاجانب للمرة الاولى جنباً الى جنب. وفي 1997 نظم مؤتمر الصحافة العربية الثالث في ابوظبي بالتعاون مع مؤسسة الاتحاد الصحافية. وقد اختارهمجلس ادارة الاتحاد العالمي للصحف الى اختياره عضوا ومستشارا خاصا لرئيس الاتحاد لشؤون الشرق الاوسط والعالم العربي. وانطلاقا من الامر، دعي جبران الى المشاركة في مختلف تحركات الاتحاد في العالم، ولا سيما تلك المتعلقة بالدفاع عن الحريات الصحافية. فذهب في مهمات متنوعة من الصين الى روسيا وغيرها للدفاع عن حق الصحافيين في التعبير الحر، وقابل رؤساء دول ومسؤولين في اطار وفود شارك فيها رؤساء مجموعات اعلامية عالمية متعددة الجنسية. ومع مرور الوقت وترسخ موقع جبران تويني في الاتحاد استطاع ان ينظم للمرة الاولى اجتماعات لمجلس إدارتها خارج اوروبا او الولايات المتحدة، فإنعقد مجلس ادارتها في بيروت مرات عدة. وصار اسم جبران تويني وجريدة "النهار" على كل شفة ولسان في إطار اتحاد يضم 18000 صحيفة. وصارت الصحيفة اللبنانية الصغيرة مقارنة بالصحف الكبرى في العالم، تحتل موقعا مميزا جعلها كبيرة في الادوار التي لعبتها. وهذا بالضبط ما حدا بالاتحاد غداة اغتيال جبران تويني في 2005 وفي سابقة لم تحصل في تاريخه لأن ينشئ جائزة سنوية حملت اسم "جائزة جبران تويني للحريات الصحافية" تمنح سنويا لصحافي اورئيس مؤسسة اثبت انه يناضل للحريات الصحافية في العالم العربي، فتحقق حلم من احلام جبران في ان تستمر المعركة من اجل الحرية في كل مكان من هذا الوطن العربي انطلاقا من لبنان الذي أحب.


"المنتدى الاقتصادي العالمي"
وكان جبران متميزا بزحمة الاحلام التي كانت تتقاطع في عقله.
صادف يوما خلال سنة 1995 ان زارته سيدة لبنانية الاصل ان طلبت موعدا لاطلاعه على نشاط"المنتدى الاقتصادي العالمي" في دافوس. وكان معلوما ان المنتدى يسعى الى اطلاق اول مؤتمراته الاقتصادية للشرق الاوسط وشمال افريقيا (الدار البيضاء) كنتيجة. وكان العالم العربي منقسما حول الموقف من هذه المؤتمرات التي كان فريق عربي يعتبرها تطبيعية. ولكن لبنان الذي كان تحت الاحتلال السوري، قاطع بناء لقرار سوري هذه المؤتمرات، واعتبرت السلطات اللبنانية ان كل من يخالف المقاطعة يمكن ان يتعرض للملاحقة امام القضاء العسكري. والحال ان جبران تويني المتحفز دائما للتحدي، رأى في المنتدى الاقتصادي العالمي منبرا عالميا من الدرجة الاستثنائية، لا يجوز ابدا تفويته، وانما ينبغي للبنانيين ان يكونوا حاضرين في جميع تظاهراته عبر العالم. كما رأى ان المنتدى الذي يجمع كل عام اكثر من 3000 شخصية قيادية عالمية في السياسية والاقتصاد والتكنولوجيا والاعلام والفنون، وتغطيه جميع وسائل الاعلام في العالم (1000 وسيلة اعلامية )، ويجري خلاله اطلاق العديد من المبادرات المتنوعة العالمية البعد. فهم جبران تويني ان غياب النهار عن مركز استقطاب كبار هذا العالم لا يجوز اطلاقا. ومن هنا اعلم زائرته بإسم المنتدى انه سيشارك في المنتدى الاقليمي مخالفا بذلك قرارا رسميا موحى به من الاحتلال السوري، بالمقاطعة تحت حجج الممانعة والخط القومي وما شابه.
في العام التالي ذهب جبران ابعد من ذلك وشارك في المؤتمر السنوي في منتجع دافوس في سويسرا، وكان محاضرا. وكتب من هناك مخاطبا الدولة اللبنانية، والفعاليات اللبنانية الى التخلي عن مواقف المقاطعة السخيفة التي تترك المنابر العالمية امام اسرائيل لتصول وتجول فيها، من دون حضور عربي فاعل. وكان يقينه ان لبنان مدعوالى لعب ادوار مميزة في المنتدى كون مشاركته لا تقتصر على رسميين، ولا على قيادات اقتصادية في لبنان، وانما الحضور اللبناني المنتشر في العالم وفي مؤسسات متعددة الجنسية يمكن ان يشكل شبكة هامة جدا تخدم مصالح لبنان. لكن علت لبنان ان يكون مستقلا. ثم عاد جبران في احدى مقالاته في سنة 2001 وخاطب الرئيس بشار الاسد ليلفته الى ان اسلوب المقاطعة في المحافل الدولية، من شأنه ان يضر بمصالح سوريا نفسها. فالمقاومة لا تكون بالاحجام وانما بالاقدام ومقارعة العدوفي كل مكان وموقع. فالحرب مع اسرائيل بالنسبة الى جبران لم تكن حربا بحت عسكرية، وانما كان يعتبر أن ميدان المواجهة يمتد من الميدان الى العلم الى القلم، الى التكنولوجيا، والاعلام، غيرها...
كانت مشاركات جبران تويني في المنتدى الاقتصادي العالمي مناسبة لكي يقيم علاقات متنوعة مع العشرات من رجال الاعمال العرب والآسيويين والاميركيين والاوروبيين. وكما كانت مناسبة له لكي يحاور رؤساء عدة مثل الرئيس حسني مبارك، والرئيس الراحل ياسر عرفات، والامين العام للامم المتحدة كوفي انان، والرئيس الاميركي بيل كلينتون وآخرين كثر، فضلا عن انه ارتبط بعلاقات مع شخصيات عالمية مثل بيل غايتس رئيس شركة مايكروسوفت وكان له معه موعد سنوي على هامش مؤتمر دافوس.
من خلال مشاركات جبران تويني في اعمال "المنتدى الاقتصادي العالمي" ومختلف مؤتمراته الاقليمية، دافع جبران تويني بإستمرار عن الحريات في العالم العربي، رافضا التسطيح الثقافي، والانظمة الشمولية القمعية الدموية.
وكان في مداخلاته يركز بإستمرار على وجوب تحقيق انسانية الانسان في العالم العربي، ويعرض لواقع لبنان تحت الاحتلالين الاسرائيلي والسوري. وكثيرا ما تلقى تحذيرات من مسوؤلين في المخابرات اللبنانية تدعوه الى عدم المشاركة في تلك المؤتمرات، ولكنه كان يأبى مصرا على الكتابة من هناك مخاطبا الحكومات اللبنانية المتعاقبة لترفض الخضوع لمشيئة النظام السوري التي كانت تعمل على تقويض مكانة لبنان العالمية.
وكان حلم جبران تويني ان يأتي يوم ويقوم فيه بتنظيم مؤتمر من مؤتمرات المنتدى الاقتصادي العالمي في لبنان تدليلا على مكانة وطنه، وعلى دور النهار الذي تخطى لبنان الى العالم.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم