الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

شيعيات حُرِمن أطفالهن بعد الطلاق والطائفة تتشدّد

المصدر: "النهار"
فاطمة عبدالله
A+ A-

يبلغ ابن رلى شومان من العمر 11 سنة. كان في عامه الأول تقريباً، حين انفصلت أمه عن والده، واشترط لمنحها الطلاق "التنازل" عنه. فرَضَ شروطه لأنّ المحكمة الشيعية تنحاز للذَكَر، وكوننا نعاني غياباً بائساً لقانون مدني للأحوال الشخصية يتيح المساواة بين الأفراد. طالما هدّدها بحرمانها طفلها. أمٌ من دون ولدٍ تغلغل في أحشائها زمناً. تُبدي الطوائف ليناً في مسألة رفع سنّ الحضانة، والطائفة الشيعية تتعنّت. "لم أستطع فعل شيء"، تتحسّر رلى على حالها. وجدت نفسها وحيدة في مواجهة ذكورية معوَّمة دينياً. الجبابرة تجتمع بلقاء الدين والسلطة. تُنبِّه الى مسألة مهمّة: "كثير من النساء يجهلن حقوقهن قانونياً، فيسهَل على الرجل خداعهن. يوهمهن بأنهن لا يملكن شيئاً، وينبغي الاستسلام".


كأنّ الكون يتحامَل على المرأة لينتزع أحشاءها. في الحنجرة والأعماق، غصّة تكاد تخنق أماً معذَّبة بحرمانها ابنها. تسترجع مَشاهده، فيمضي العُمر سريعاً على تفاقم الأسى. "أخذوه مني رضيعاً. لم يكترثوا الى أنّ لا بديل عن والدة تمنحه عطفاً. طفلٌ من دون أمّه؟ يا لهم من قساة".


بشاعة القيد الطائفي وسؤال الصبي: "لماذا"


أردنا غوصاً في أوجاع رلى، فإن باحت بها ارتاحت، وربما تحرّكت قلوبٌ تتحجّر. الانتماء الى الطائفة الشيعية يفرض إن تطلَّقت المرأة أن تعصف الرياح بالطفل. ينصّ قانون الأحوال الشخصية لدى الطائفة على أنّ يبقى الصبي مع الأم حتى بلوغه السنتين والبنت حتى بلوغها السبع سنوات. حرمانٌ ما بعده حرمان، وانتهاكٌ لحقّ الطفل في الدفء. نقارب الشأنين الشرعي والقانوني لاحقاً، ونبقى مع ما تعانيه رلى، وهو أكثر جُرحاً من الظاهر: "ارتفع وزن ابني في شكل مخيف. خرَّب والده نظامه الغذائي، وعوّده على الكسل وقلة الإبداع. ذات مرة سألني: "ليش أنا مش معك يا ماما؟". يراقب أصدقاءه من طوائف أخرى مع أمهاتهم، ويبدأ بطرح الأسئلة. راح يصبح هجومياً وسريع البكاء. لو انتميتُ الى غير طائفة، لقلّ الوجع".



في ظُلم الشرع المرأة وتحرّرها المُزمَع
افترضنا أنّ سيّدة انتُزِع منها ابنها بوحشية، ستوافق على رواية التجربة. تراجعت بذريعة أنّ المشكلات تفيض، وهي لو موَّهت شخصها واستعارت اسماً، ستُفتَضح لمَكْر طليقها. نادين جوني، على عكسها، ستتكلّم ولن تخاف. كانت في الثانية والعشرين حين سلبوا منها كرم ابن السنتين. رلى ترى طفلها لليلةٍ اسبوعياً، ونادين 24 ساعة فقط. 24 ساعة، لا دقيقة إضافية، وإلا شتمها وعاقبها. ممنوع الاتصال خلال الأسبوع، والاطمئنان الى وضعه في المدرسة، وممنوع أن يبكيها بشوق. ذات يومٍ زارت مدرسته لتسأل عن حاله كأي أمّ تمارس عنايتها. فطلبت اليها المديرة المغادرة بذريعة أنّ الأب ووالدته أمَرا بعدم التجاوب معها. "قدِّري وضعي سيدتي"، تقول المديرة. "ومَن يقدّر وضعي؟"، تردّ نادين، وترحل.
هذه أوجاع أمّ أنجبت ولم تتهنَّ بأمومتها. معضلة الشرع الشيعي أنه يدّعي فتح باب الاجتهاد في مسائل، ويوصده في مسائل أخرى. الكلمة للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الذي يُرجئ القضية الى حين. تَصدُق نادين إذ تقول إنّ المرأة في لبنان تزعم التحرر فيما تفتقد الحصول على حقها في أن تكون أماً. تخبرنا أنها تمضي الوقت في العمل عساه يُنسيها تجاويف الذات. حين يراها كرم يقفز فرحاً ويكاد يطير. "يريد ماما ولا أحد يسمع"، تقول متألمةً. هذه الأمومة حين لا تكتمل.



"زلفا" ولعنة الذكورية في عيد ميلادهما


تتردّد سيدةٌ في الكلام، ثم تقتنع بأنّ تُبدِّل اسمها الى "زلفا" تيمّناً بحملة "كفى". حُرمَت طفلتها من عمر 11 شهراً، وابنها دون السنة الثالثة. الوجع وجعان، والشوق بالتساوي، كذلك الهَمّ. أرادت، بما يشبه خُطى الفرد في دول القانون، اللجوء الى المحكمة لتحصيل رؤية أولادها بعدما فُرِض عليها التوقيع على ورقة "تنازل" لتُمنَح الطلاق. "كانت نظرات مَن في المحكمة تطاردني كأنها تقول: يا للعاهرات. ثم أتوني بما يشكّل إهانة فاضحة: "السماح للأم برؤية ولديها في المدرسة بعد استشارة الأب"، فيما زوجي يهدّد على هواه: "لا تستطيعين معي شيئاً". أقسى اللحظات يوم ميلادهما وهما ليسا أمام عينيّ ولا أملك أن أحتفل بهما. كل الطوائف تلين، فلماذا تصرّ الطائفة الشيعية على التشدّد؟".



تقاعسٌ رسمي يكرِّس تعنّت الشرع


لربما وصلت "الحملة الوطنية لرفع سنّ الحضانة لدى الطائفة الشيعية" الى اليأس، وإلا فلماذا تُحجِم عن النشاط بعد تحرُّك "هذا الشرع مزّق أحشائي" قبل نحو العام؟ تؤكد رئيسة "شبكة حقوق الأسرة"، ورابطة المرأة العاملة المحامية إقبال دوغان أنّ النَفَس طويل وإن طُرقَت جميع الأبواب. المطلوب أن تحتفظ الأم بالولد من الجنسين حتى سنّ الخامسة عشرة، مع إشراف الأب ومؤازرته مادياً ومعنوياً. تغمز من تقاعس النواب الشيعة، ورئيس مجلس النواب نبيه بري قليل الاكتراث لشؤون مشابهة. ليته يضغط على المجلس الشيعي ويحرِّك القضية نحو حلّ إنسانيّ عادل؟ رفعت الطائفة السنيّة، بفضل بعض نوابها سنّ الحضانة الى 12 سنة عند الجنسين، في سابقة تُحسَب لها. "حدث ذلك بعد نضال استمرّ أعواماً. عند الشيعة، لا تجاوب. حتى السيدة رندا بري قالت إنّ المسألة خارج صلاحياتها. الموضوع عند الرئيس، أضافت". تتابع دوغان متأسفة على قانون الأحوال الشخصية لدى الطائفة: "الولد الشيعي في حاجة أمّه، كولد الطوائف الأخرى". تمرّ سريعاً على حال بعض الطوائف مع سنّ الحضانة: عند الروم الأرثوذكس، يبقى الصبي مع أمه حتى سنّ الرابعة عشرة، والبنت بعده بسنة. عند الإنجيليين: 12 للصبي، و13 للفتاة. عند الكاثوليك: 14 لكِلا الجنسين. عند السنّة 12 لكِلا الجنسين. وعند الدروز: 7 للصبي و9 للفتاة. أما عند الشيعة فـ: 2 للصبي و7 للفتاة. كوَقْع حبّات الماء على الصخر بعد طول محاولة، تشبّه الجهد.



* "مَن قال إنّ مصلحة الطفل مع الأم؟"


يجزم مدير التبليغ الديني في المجلس الشيعي القاضي عبدالحليم شرارة بأنّ التحرّك لن يفضي الى نتيجة. يربط رفع سنّ الحضانة لدى الشيعة بـ"بحث علمي فقهي، لا يزال قائماً ولا ندري متى يثمر". يتكلّم على "تبلور البحث الفقهي"، وانتفاء ارتباطه بإطار زمني. "لا يفيد الاستعجال"، يقول، معتبراً أنّ المسألة أدق مما يجري تداوله، وسبَقَ أن شرحها في جلسةٍ فقهية خاصة. ما يعنينا معاناة الأم والطفل، أين هي مِن مسعاه؟ يرفض ربط رفع سنّ الحضانة بمصلحة الأم، إذ الأولوية في رأيه للطفل. ولكن سماحتكَ، أي مصلحة لطفل لم يبلغ السنتين بانتزاعه من أمه؟ الجواب: "ومَن قال أنّ مصلحة الطفل بالضرورة مع الأم؟ لا تُحلّ المسألة بالعواطف. ثمة حقّ بحسب السنّ للأبوين، وحقٌ يحكم على حق الأبوين، هو حق الطفل ومصلحته". يدّعي أنّ الاحتمال واردٌ بتعديلٍ فقهي، وإن لم يضبطه بزمن أو خطوة جدّية. يكتفي بالقول أنّ القضية تعني المجلس أيضاً، من غير أن يجاهر بالتضامن مع الأم. وفي هذا السياق، تخبرنا منسقة الحملة زينة إبرهيم أنّ سعياً الى إغلاق مدخل المجلس الشيعي كان مقرراً، ولم يتحقق، "لأننا كنا أعداداً قليلة، فيما المفروض أن تستنفر كل النساء والجمعيات من أجل خطوة واثقة. تصف العاملين هناك بموظفي الدولة الطامعين بالرشى، والناظرين باستخفاف الى القضايا. "بالمال تحصل على ما تشاء".



* مرجعية السيد فضل الله: لا تُحارَب الأم بعاطفتها


يُبدي المفتي الجعفري الشيخ أحمد طالب، التابع مرجعياً لمكتب السيد محمد حسين فضل الله رغبة في تصحيح الوضع. يدعو الى إعادة النظر في مسألة الاجتهاد الشيعي، والعودة الى المراجع، وتقديم معطيات لها علاقة بالوقائع والمتغيرات في البنية الاجتماعية. تغيّر ظرف المرأة، يقول، وهي اليوم ليست كالأمس، وفي إمكانها إعالة أبنائها والتكفّل بحُسن تربيتهم. يفضّل لو يجري بحث كلّ حالة في ذاتها، بما فيه مصلحة الطفل قبل الأم والأب، فلا تُعمَّم القوانين وفق فتاوى جامدة. ماذا لو كان الأب غير ميسورٍ مادياً، أو أنه على حال سفر، كيف يجزم الشرع بضرورة إحالة الولد عليه، سوى من باب التعنّت والتسلّح بفتاوى كيدية؟ لا تُحارَب الأم بعاطفتها"، يقول، ذلك إنّ ما يجري في حق الأم أشبَه بحرب من جبهات. "ثمة مرجعيات تغلِّب الشخصي على المصلحة العامة. يُفتَرض أنّ المجلس الشيعي يتّبع مرجعية النجف، وهي حكيمة ومعتدلة، بيد أنّ البعض لا يقدّم صورة واضحة عن التفاعل، رابطاً إياه بالسياسة. في المحاكم الجعفرية قوانين لم تتطوّر. يُقال فيها إنّ الدهر أكل عليها وشرب. المطلوب نوع من السعي الى التجديد وتوسيع التشريع لمواكبة الحوادث بأسلوب يؤمن العدالة للطفل والأم". الأم تُظلَم وتُهان والمخوَّل حمايتها يتفرّج. إن تحرّك أفسَد كل شيء.


[email protected]
Twitter: @abdallah_fatima


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم