الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

"الأكثرية الصامتة" هل تهيننا أم تشرّفنا؟

عقل العويط
عقل العويط
A+ A-

الأكثرية، هل هي حقاً صامتة، على ما تستدرجنا إليه لوحة الفنان الكبير، جميل ملاعب؟ أطرح هذا السؤال، بهدف "استفزاز" الرأي العام، وقرّاء "الملحق" خصوصاً، داعياً إياهم إلى "التنكيل"، مرةً، بـ"الأكثرية" إذا كانت حقاً "صامتة"، وإلى "التنكيل" بها، مرّتين، إذا كانت "قطيعية"، على ما نرى ونعاين. هدفنا في "الملحق"، بسيط، لكنْ صعبٌ وشاقّ: أن نشارك في تكوين أكثرية أخلاقية، تشرّف الثقافة، والحرية، والديموقراطية، والكرامة. وهذه القيم، هي أعزّ ما نحتاج إليه في لبنان، والعالم العربي.


حوار
لماذا يُجري "الملحق" حواراً مع شخصية ثقافية سورية، من مثل فاروق مردم بك، كان لصاحبها، ولا يزال، دور فكري، نقدي، في مسار البحث عن أفق ديموقراطي لبلاده المنكوبة بنظامها البعثي الأسدي الاستبدادي، وبالمصير الدموي الذي آلت إليه ثورتها المشرِّفة على أيدي سرّاق الحياة والدين والأمل والضوء والحرية، من إلهويين وإسلامويين وتكفيريين وجهاديين، وسواهم؟
هذا الذي يقيم في باريس، طوعاً ثمّ قسراً، منذ أواخر العام 1965، قد لا يكون له، في ما يجري الآن، في بلاد الشام، من اقتتالات وحروب تدمير وتشريد واقتلاع، أيّ "تأثير" فعلي، من شأنه أن يعزّز فرص الأمل، ويرجّف القتلة والمتلذذين بشرب الدم، من كلّ حدب وصوب. فأيّ فائدةٍ تُرتجى من حوارٍ كهذا، حين لم يعد بين فرقاء الموت والظلام والاستبداد، مَن ينصت إلى أمثاله، أو من يقرأ بين سطوره؟
صديق "الملحق" هذا، من زمان، صديق سمير قصير خصوصاً، بل صديق المثقفين والمكافحين اللبنانيين الأحرار، الخارجين على كلّ قطيع، وشريكهم مع رفاق ومثقفين سوريين كثر، في بلورة التلازم الجوهري بين استقلال لبنان وديموقراطية سوريا، وتجسيده على أرض الواقع، بكرامةٍ ندّية فريدة، لا بدّ أن يكون لكلامه الحكيم، المتبصر، البعيد النظر، الهادئ، الرصين، المغمّس بدماثة الوجع، ودائماً بضرورة الأمل، فائدةٌ نوعية وجوهرية في الإلحاح على قرع أبواب العقل، وتحريك المستنقع، بحثاً عن دربٍ للخلاص من هذا المأزق الوجودي والكياني الخطير الذي يعصف، ليس بسوريا فحسب، بل بمنطقة "الهلال الخصيب" كلها، فيجعلنا جميعاً أسرى هذا البرج البابلي (هل أقول الأبدي؟!).
يتطرّق فاروق مردم بك في هذا الحوار، على وقع الأسئلة المتبصرة لزميلنا الأستاذ عبدالله أمين الحلاّق، إلى قضايا ومسائل، حارّة وشائكة، يجب أن تظلّ موضع نقاش ومساءلة. إذا ليس لشيء، فمن أجل أن يبقى عمل العقل النقدي حاضراً في الوجدان الجمعي وفي الوجدان الثقافي، متأهباً لمرافقة المسارات الشائكة التي تعيشها منطقتنا العربية، وخصوصاً من فلسطين إلى لبنان، فسوريا والعراق.
هذا الحوار الجامع، الذي يتحدث عن ربيع سوريا المخضّب بالدم، وعن النظام الاستبدادي والظلامية الإسلاموية، وعن اليسار والعلمانية والمثقفين وفلسطين وبيروت، من شأنه ربما – بل يجب - أن يساهم، ولو من بعيد، في استفزاز ياسمينةٍ دمشقية، أو مخاطبة غيمةٍ بيروتية، لاستدراج فسحة ضوء إلى أفقنا الشرقي الدامس.
من "الملحق" تحية إلى صديق "الملحق" الكبير. ومن خلاله إلى جميع المكافحين العاملين في الصمت، والمنسيين والمهمّشين والمتمرّدين والثوّار الشرفاء الأنقياء والأحرار والمثقفين السوريين الذين يقولون "لا" للحاكم المستبد، وللقاتل، وللظلامي والتكفيري، معاً وفي آن واحد.
* * *


قُطّاع الحياة
ماذا يفعل هؤلاء الوزراء والنوّاب، ومعهم سربٌ من المنتفعين المرتزقة، ومنتهزي الفرص، وقطّاع الحياة والأرزاق، الذين يدافعون، "موضوعياً"، عن مجرمي الطعام والماء والهواء والتربة، ويساهمون في تأبيد السقوط المريع للدولة اللبنانية؟
إنهم يطلبون من اللبنانيين أن يرضخوا لجبروت الأمر الواقع الذي يدمّر الأسس الباقية للدولة والمجتمع، ويشرّع كلّ أنواع الانهيار، وأشكال الفساد، وأن يرفضوا كلّ محاولة، وإن رمزية، أو جزئية، للحؤول دون استشراء هذين الانهيار والفساد.
أعرف أن ما فعله وزير الصحة يمثّل خطوةً يتيمة، ومبتسرة، في غابة الألف ميل وميل، العامرة بفنون الموت المختلفة. وقد تكون ظالمة في حقّ البعض. لكنْ، هل يُعقَل أن يتجاسر أحدٌ، أياً يكن، كما هو حاصلٌ الآن، فينبري لـ"التفخيت" بهذه الخطوة، وتفخيخها، وتفريغها من مضمونها، وتجييش الانفعالات والغرائز والحسابات والمطامع ضدّها، وجرّها إلى "ساحات" غير محسوبة، من أجل أن تُدفَن في مهدها، ولا تؤتي ثمارها المرجوّة؟!
لا أدافع عن أحد، لكني لا أستطيع أن أقبل بأيّ دفاع عن الفساد والمفسدين. هؤلاء، الذين يرتكبون مثل هذه الشناعة العلنية الفاجرة والمقيتة، يتساقطون من الأعين - وهم أصلاً متساقطون – ويمعنون في تعمية الرأي العام، بل يتبخترون عراةً، وباعتزاز، وعنجهية، أمام الجميع، فاقدين ورقة التين التي تستر عريهم الأخلاقي.
تبّاً لهم. وسحقاً.
نحن اللبنانيين، سنظلّ من دون دولة مؤسسات، دولة للحق والقانون، وسنظلّ "نستحقّ" أمثال هؤلاء، إذا لم نعرف كيف نضرم الحطب تحتهم، فتكون لهم جهنم، هنا. ونعم المصير!
* * *


عاطلٌ عن الموت
كم أكره أن أتذاكى. كم أكره أن أُوهِم امرأةً بأنّي أحارب، ثمّ أسقط، برمشة عين، من الجولة الأولى. وإذا تحاملتُ على قلبي، فمن الجولة الثانية.
أريدكِ أن تعرفي أنّي أكره الذكوريين، وأسخر منهم. لا استخفافاً بالرجولة، بل بهؤلاء فقط. ربما أعرف أن أستدرج امرأةً إلى أرضٍ مولعةٍ بالرمال المتحركة. وفي الأخير الأخير، أعرف فقط أن أمدّ عنقي تحت يدكِ، لتفعلي ما تحبّين أن تفعليه في رجلٍ مثلي. وإذا فعلتِ، أكون حقّقتُ ما أنا بارعٌ وعبقريٌّ ودائم النجاج فيه: خبرتي الماكرة في أن أكون قتيلاً. وهذا لممّا يجعلني هائلاً كحياة. وغامضاً كقصيدة.
هل أنا في حاجةٍ لأتدارك فأقول لكِ إني لستُ مازوشياً، وإني عندما أتمكّن، لا أحبّ أن أكون سادياً؟! ليس من سببٍ مَرَضيٍّ عندي لاستحباب صورة الضحية، أو لاستدرار الرثاء والشفقة. كلّ الأسباب عندي، لإشعال الحطب تحت هذا الشتاء. وأنتِ جديرة.
لن أحدّثكِ عن شيء آخر، يا امرأة. لقد قلتُ ما يجب أن أقوله. وأنا أفعل ذلك، لمرّةٍ وحيدة. هل يجب التكرار؟ هل يجب تسديد السهم وإطلاقه بيدٍ مرتجفة ليخطئ مرماه؟
في الأساس، كلّما أمعنتُ في القول، أو في التكرار، أقع في خطأ جسيم. فأيّ مدعاةٍ لخطأٍ صبيانيٍّ سخيفٍ، كهذا الخطأ؟!
ها أنا ذاهبٌ الآن، إلى عزلتي الغفيرة. لكني، قبل أن أذهب، أقول لكِ ما يأتي. قد يستهويني، عندما أكون عاطلاً عن الموت، تكرار الخطأ نفسه: أن أُقتَل. وأُقتَل. ثمّ أُقتَل. بالصعق. حبّيّاً، أعني. ومن دون مقاومة. في الحقيقة، لم أعد أستسيغ كلمة "مقاومة"، من كثرة ما استُهلِكت. بودّي، أن أُقتَل فحسب. فلأُقتَل، لكنْ من دون صوتٍ، أو قولٍ، أو... مقاومة. إلى أن لا يعود ثمّة هواءٌ يتّسع لرئةِ عشيقٍ في الكون.
على سبيل المراودة والاستدراج، أطأطئ عينيَّ لكي لا أرى. فمن كثرة ما رأيتكِ – وهي لحظةٌ مكهربةٌ فحسب - لم يعد ثمّة حاجةٌ لأرى شيئاً. سيكون عليكِ فقط أن تومئي إلى هذه الغيمة، لكي تعبث بالرذاذ الذي يشوّش رأسي. فإذا لم ترغبي في أن تكون يدكِ عليَّ، كشبهِ قتْلٍ محقّق، فسيكون لي أن أغادر، بعد قليل، إلى غير رجوع.
أهي غيمتكِ تقترب؟ أهي يدكِ تتأهّب لتُجهِز؟
اعرفي جيّداً، أنّي عاطلٌ عن الموت. حاسرٌ تماماً. وها عنقي ممدودة.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم