الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

اتهام

حياة ابو فاضل
A+ A-

... هبط عليّ آتياً من سياسي عريق، مرجع دستوري، مفكر واديب ذواقة، وهو يقرأ أحيانا ما أكتب في "نهار" الخميس. وقد اتصل هاتفيا ذات يوم فاتحا لصداقة "صوتية" لا شك في ان توقيتها ما جاء مصادفة كأنما حركة الفكر تتناغم مع نبض الحياة في مسيرة بحث عن مغزى "الوجود" خارج موروثات ما عادت تفي بالغرض، وقد بدأت تتفكك على طريق زوال.


امس اتهمني الصديق بتفجير كنوز غضب على كل ما نصادف فوق ارض الوطن من عقم اداء تام صادر عن اهل سياسة ودين واقتصاد واجتماع وثقافة وشعب يصح فيه قول: كما انتم يولى عليكم. ورفضت التهمة موضحة ان الغضب صار خارج ردود فعل يتسبب بها المحيط. فالسياسة المحلية العقيمة والتنافس على مناصبها ما عادا يثيران حتى القرف. والصراع المذهبي الابدي المستمر في الخفاء وفي العلن دليل على ان الاديان تعكس الفكر الانساني الاجتماعي في زمان ومكان محددين، وحين لا تتطور الاديان مع تطور الزمن وتطور المعرفة، تصير حجر عثرة على درب المسيرة البشرية الى "امام" حقيقته تختلف عن حقيقة التقطها وعي انسان العصور السابقة.
رفضت التهمة لانني صرت خارج الوطن بجدرانه وبحدوده الكثيرة. وصرت خارج حكايات الاديان والمذاهب، فتحرّرت من كل ما يؤخر مسيرة "بحث" اخترتها باكرا. انا ما زلت ابحث، ودليلي الحب الذي يوحّد الاكوان الكثيرة داخل نبض حنان وحده اكسير الحياة التي تضمنا جميعا الى قلبها. والى ان نبلغ هذه المعرفة الرائعة سيظل الوطن المحدود بأشواق انسانه المتناقضة يأسرنا، وأهل السياسة والدين ممسكون بخيوط مسيرتنا. انا تحررت، ولما اكتب عن مساوئ ما نمر به في لبنان وفي شرق اوسط نازف، انما احاول ان الفت انسان المكان الى ركوده في مستنقعات آسنة سرقت منه خيوط الفجر.
وهذا لا يعني ان انسان الاجزاء الاخرى من الكوكب في حال افضل، فالحركة البشرية بكل تفاصيلها الايجابية احيانا قليلة، والسلبية احيانا كثيرة، تحفظها صفحات التاريخ – المرآة التي تعكس مراحل المسيرة البشرية وعلاقة انسانها بانسانها، علاقة قوي ظالم بضعيف مستعبد، على رغم مواعظ "مثاليات" لا نكاد نقترب من التقاطها حتى تفاجئنا انها ابعد مما تبدو على شاشات وعينا المحدود.
اعتز كثيرا باهتمامك يا صديقي في زمن ما عاد يحفظ للصداقة مكانا... وعند بداية عصر كوني جديد واعد بتغيير كبير آت بدأ توقيته مع بوادر تفكك "ثوابت" وعاها الفكر البشري في ما مضى ظانا انها لا تتغير، لا يبقى لنا سوى تواصل مشرق يحمل الكثير من اكسير الحياة الطيب.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم