قطع أذنه تعبيراً عن احتجاجه!

إنه صباح الرابع والعشرين من كانون الأوّل 1888، ذلك اليوم أنقذت فيه شرطة آرل الفرنسية مواطناً دامي الوجه وقادته إلى المستشفى: بَتر فان غوغ، الذي كان يعاني أزمة نفسية، أذنه اليسرى بواسطة شفرة الحلاقة. كانت هذه الحادثة دليلاً على الاضطراب النفسي والعقلي المتفاقم لفان غوغ، ومؤشراً على إمكان انتحاره، وقد حصل ذلك فعلاً بعد سبعة أشهر من هذه الواقعة. تعود وتتكرر هذه المأساة بعد مرور قرنين: في التاسع عشر من تشرين الأوّل 2014، بَتَر الفنّان الروسي Pyotr Pavlensky أذنه وهو عارياً على سقف معهد الطبّ النفسي في موسكو Serbsky . فبينما تدنّت درجة الحرارة إلى ما تحت الصفر، قطع الفنّان الروسي أذنه بواسطة سكين مطبخ كبير احتجاجاً على استخدام الطب النفسي لأغراض سياسية. فبالنسبة إليه "السكين يقطع شحمة الأذن من الجسم، بينما يفصل جدار الغرانيت في معهد الطب النفسي كائناً عاقلاً من مجانين. أمّا الشرطة فهي تعطي نفسها صلاحية تحديد العتبة بين العقل والجنون". وهو يقصد بذلك أنّه يتمّ استخدام علم طبّ النفس لحبس الأشخاص وتحويلهم مرضى نفسيين إن لم يكونوا ملتزمين بالمعايير المطلوبة في المجتمع. ويشير محامي الفنّان Dinze، أنّ بافلسنكي Pavlensky "كان قد خضع لجميع الفحوصات الجسدية والنفسية وجميعها أثبتت أنّه بصحة جيّدة، وتجرى الآن عملية إطلاق سراحه". وأكدّ المحامي على أنها المرّة السادسة التي يتبيّن من خلالها أنّ Pavlensky سليم عقلياً بعد خضوعه للفحوصات.

فنّ الاحتجاج:
لـ Pavlensky تاريخ في فنّ الاحتجاج. فقد خاط شفتيه في العام 2012 لدعم الـ punk art collective Pussy Riot. كما أنّه احتج أمام مدخل مجلس النواب في سانت بطرسبرغ وهو يقف عارياً وملفوفاً بالأسلاك الشائكة. وفي تشرين الثاني من العام الفائت، عمد إلى لفت الرأي العام الدولي عبر دقّه وتسميره لخصيتيه على حصوة في الساحة الحمراء للاحتجاج على " اللامبالاة السياسية والقدرية في المجتمع الروسي المعاصر"، بحسب ما قال Pavlenskyنفسه. وفنّ الاحتجاج يتجلى بمجموعة الأعمال الإبداعية التي يقوم بها ناشطون أو حركات احتجاجية. فقد جعل Pavlensky من جسمه لوحة فنيّة، انتفض من خلالها على المجتمع وقدّمها قرباناً للعدالة، إذ تبيّن إثر الدراسات والأبحاث التي أجراها الباحثون والأدبيون وعلى رأسهم جورج باتاي وآنتونان أرتو، أن في "بتر الأذن"، الفعل الذي ارتكبه فان غوغ والذي ينطبق كذلك على الفنان الروسي، نزعة قربانيّة. إلاّ أنّ Pavlensky اليوم تحت المراقبة بسبب اتهامه بالتخريب، وتنظيمه ومشاركته في تظاهرة تدعم الـ Euromaidan في الساحة الحمراء قرب كنيسة الـ Savior on Blood في سانت بطرسبرغ في شهر شباط. ومن الأمثلة عن فنّ الاحتجاج الـ Hong Kong protest art الذي اجتاح الشوارع الصينية في خضم الصراع السياسي والمدني في هذه البلاد. فقد انتشرت المظلّة المتواضعة في أنحاء المدينة حيث استخدمت لدرء رذاذ الفلفل والغاز المسيّل للدموع. وهي الآن رمز تعريف للاحتجاجات والاعتصامات المؤيّدة للديموقراطيّة هناك، فأصبحت بالتالي مصدر إلهام لتدفق الإبداع في المجال الصناعي. وتحوّلت عندها المساحات الخالية من حركة المرور إلى معارض فنيّة في الهواء الطلق. كتب على بعض المظلات حرفي CY"" وهما يعودان للرئيس التنفيذي CY Leung، المكروه من المعتصمين.