الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

تذكير عون برسالة المشنوق إليه عام 2008 "الدور المسيحي هو العازل بين المتنازعين"

اميل خوري
A+ A-

في كانون الثاني 2008 وجه الوزير نهاد المشنوق من موقعه ككاتب وسياسي يومذاك رسالة إلى العماد ميشال عون في مقالة له جاء فيها: "اذا وجدت صعوبة موقتة في الحوار مع الحريري أو غيره من زعماء الأكثرية، فلماذا لا تذهب إلى السعودية أو إلى مصر وتشرح وجهة نظرك بأنك صاحب رأي في لبنان ولست جزءاً من الصراع الدائر في المنطقة؟ فالدور المسيحي في لبنان هو العازل بين الطائفتين المتخاصمتين، اذ مهما قيل عن مخاطر النزاع المذهبي الاسلامي فانه قبل كل شيء نزاع سياسي وليس نزاعاً دينياً وله ضوابط أكبر من مخاطره، بينما الانضمام المسيحي إلى أحد أطراف النزاع مخاطرة أكثر بكثير من ضوابطه". ويضيف: "ان الانهيار المسيحي التدريجي للسلطة المطلقة في لبنان بدأ عملياً مع الاجماع المسيحي على كبير متطرفيهم كرئيس للجمهورية وأقصد الشيخ بشير الجميل الذي رفع أيضاً شعار الدفاع عن الحقوق المسيحية. فهل تعتقد الآن أنه يمكن جلب ما تسميه بحقوق المسيحيين عن طريق التحالفات المخالفة للاجماع اللبناني، والأخطر من ذلك الوفاق العربي؟" وذكّر المشنوق في الرسالة برواية للرئيس الراحل تقي الدين الصلح عن وسيلة إقناعه لأحد الاقطاب المسيحيين بعدم جواز انتخاب بشير الجميل للرئاسة. سأل الصلح القطب المسيحي ما إذا كانت لديه معلومات عن النفوذ الشعبي للاخوان المسلمين في بعض الدول العربية ومنها مصر، فأجابه بالإيجاب. وسأله عما إذا كان "الاخوان" قد استطاعوا الوصول إلى الحكم في واحدة من هذه الدول، فردّ عليه القطب المسيحي بالنفي، عندها قال له الصلح لماذا تريدون انتخاب رئيس من الاخوان المسيحيين ما دام الاخوان المسلمون لا يستطيعون الوصول إلى الحكم في بلد مسلم". وختم المشنوق الرسالة: "لا بد أنك دولة الرئيس عون قرأت ما جاء في مجلة "نيوزويك" الأميركية عن مسيحيي الشرق وتضاؤل أعدادهم في العراق ومصر ولبنان، ماذا فعلت أنت بالمقابل؟ أخذت الموقف المسيحي السياسي إلى حيث لا اطمئنان ولا استقرار ولا أمن له، ومهما جهدت في تفسير صوابية ما جاء في مذكرة التفاهم مع "حزب الله" فإنها بالمعنى السياسي تحالف يوصل إلى تبني الموقف السوري من الفراغ الرئاسي في لبنان. وما تفعله ليس الدور المسيحي المطلوب لانقاذ لبنان. فالدور المسيحي قائم على الاعتدال والتوازن والحكمة والوفاق والانفتاح على المجموع العربي وليس الانغلاق على سياسة بدون أخرى. صحيح انك اقتنعت متأخراً بحراسة الجمهورية بدلاً من رئاستها فلم تعد مرشحاً، لكنك في طريقك إلى هذا الموقف أصبت المؤسسات الثلاث التأسيسية في الشأن المسيحي العام.


انتهت رسالة المشنوق إلى العماد عون، لكنها لم تغير شيئاً في طموحاته. فمنذ أن كان قائداً للجيش خاض حرب تحرير لبنان من الوجود العسكري السوري فخسرها لأنها كانت أكبر منه، وخاض "حرب إلغاء" وخسرها أيضاً لأنه استخف بها، ورفض تسليم قصر بعبدا للرئيس المنتخب رينه معوض بعدما حل مجلس النواب عندما تأكد أنه سينتخب سواه رئيساً... واشترط لتأييد ترشيح العماد ميشال سليمان رئيساً أو سواه ان تكون ولايته لسنتين فقط... ولولا اتفاق الدوحة لما كان في لبنان رئيس ولا حكومة ولا مجلس نواب.
ويواجه لبنان اليوم الوضع الخطير نفسه الذي واجهه قبل اتفاق الدوحة، فلا رئيس للجمهورية، ولا مجلس نواب منبثقاً من انتخابات نيابية بل تمديد ثانٍ لولايته، ولا حكومة تألفت إلا بعد تسوية تدخلت لاتمامها السعودية وايران، والآن ينتظر لبنان من يتدخل للتقريب بين هاتين الدولتين وإلا ظل لبنان من دون رئيس إلى أجل غير معروف ما دام العماد عون يعتبر نفسه أنه وحده الأحق بها والأكثر تمثيلاً، ولم يعد يرضى كما في المرة الماضية بأن يكون حارساً للجمهورية بل رئيساً لها، لأن تقدمه في السن أدخله في سباق مع الرئاسة.
الواقع انه لم يسبق للبنان أن كان بلا رئيس لأن من يهتم به أشقاء واصدقاء كانوا يتدخلون لتسهيل انتخابه، وهو ما كانت تفعله سوريا وإن بعد اختياره، في حين أن ايران لا تفعل ذلك اليوم إنما تعمل على تعطيل انتخاب رئيس إن لم يكن موالياً لها، وما دامت لا تستطيع إيصال هذا الرئيس إلى قصر بعبدا فإنها تختار التعطيل، وهو وضع شاذ لا أحد يعرف متى ينتهي ما دامت القوى السياسية الأساسية التي تستطيع تأمين فوز مرشحها لا يمكنها تأمين نصاب الثلثين، والقوى التي تستطيع تأمين هذا النصاب لا تستطيع ضمان فوز مرشحها. فلو أنه كان في لبنان كبار يقدمون مصلحة الوطن على مصالحهم ويهمهم الجمهورية أكثر من رئاستها لما كان لبنان يعيش هذا الوضع الشاذ.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم