الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

"صار المال العام فيك تمسكو"

المصدر: "النهار"
كلودا طانيوس
A+ A-

تجولُ في شارع الحمرا، إما سيراً على الأقدام أو في السيارة، وتلاحظ أن الأرصفة تحوّلت "مراكز مالية" حيث يفترشها المتسوّلون من كل حدب وصوب، ولا يفوتنا بالطبع الصّبية بين السيارات والمارّة لبيع العلكة أو الورود. لكن لا تعدو محاولاتُ التسول هذه إلا أموراً مزعجة للمواطنين في معظم الأحيان، بما أنهم لا يتجاوبون والمتسوّلين، والمالُ "المطلوب" و"المرتجى" منهم يظلّ بعيدَ المنال.


انقلب هذا المشهد اليوم مع تحوّل المال إلى مالٍ عام يمكن أن يتشاركه الجميع، عبر الـWishing Fountain – نافورة المال العام في الحمرا.


 


 


من العنف إلى المُواطَنة


لم يعُد، إذاً، مشهد المتسولين غريباً، خصوصاً بعد التدفق الكبير للّاجئين السوريين إلى لبنان منذ اندلاع الحرب في سوريا. لكن العنف الذي لاحظه المهندس والفنان رأفت مجذوب في المعاملة بين المواطنين المحليين واللاجئين، وبين اللبنانيين أنفسهم في حياتهم اليومية أيضاً، دفعه إلى تصميم مجسّم نافورة المال العام بالتعاون مع جمعية "أشكال ألوان"، فالنافورة تتخذ شكل المرأة المتسوّلة الجالسة على الرصيف.


تجاوب المواطنون مع هذه الخطوة باتجاه المُواطَنة، متشاركين المال كموردٍ عام تماماً كالأماكن العامة من حدائق وساحات. رُمِيَت النقود المعدنية في النافورة "المرأة" ومنهم من أخذ نقوداً منها ليستعملها عند ركن سيارته، أو لابتياع منقوشة صباحية... ويذكر التوضيح قرب الـWishing Fountain ما يلي: "تمنى ما تريد وارمِ قطعاً نقدية في حضن النافورة. هذا المال عام. وبإمكانك في أيّ وقتٍ كان أخذ أي مبلغ شئت. إنه لك".



 


رمزية رمي النقود في المياه


بدأ تقليد رمي النقود في البرك والينابيع لما للمياه من دورٍ أساسي في استمرار حياة الإنسان، إذ اعتقدت الشعوب الأوروبية القديمة أنها هبة من الله، ما يفسّر تقديمها الذبائح والنقود ورميها في المياه لتظلّ جارية ووافرة. وتُعتبَر نافورة "تريفي" في روما من أشهر النافورات في العالم، إذ تحوّلت مرفقاً سياحياً عاماً خصوصاً بعد نجاح فيلم Three Coins In The Fountain عام 1953، وهي تستقبل كمية كبيرة من النقود تصل قيمتها إلى أكثر من 3000 يورو يومياً.


لكن هدف نافورة المال العام اللبنانية يتعدّى تأمين المال للمتسولين والمواطنين المحتاجين "صرافة"، إلى تأمين ثقافة مسالِمة ووطنية ومتقبلة للغير بعيداً من أشكال العنف اليومية بين اللبنانيين. ويُلاحَظ ذلك في انتظار المواطنين وقتاً كافياً لتمني أمنياتهم الصادقة قبل رميهم النقود، وفي غياب أي شعور بالدونية عند التقاطهم النقود لاستعمالها.



 


"النافورة قريبة إنسانياً من الشخص"


أوضح المهندس والفنان رأفت مجذوب لـ"النهار" أن هدفه من "نافورة المال العام – The Wishing Fountain" هو كسر "الغربة" بين المتسولين والمواطنين وبين المواطنين أنفسهم، مؤكداً أنه صمّمها "عن قصد بحسب شكل المرأة الجالسة على الرصيف لجعلها قريبة أكثر إنسانياً إلى الشخص الآخر، ويمكن الناس الجلوس قربها، ما يؤمن جوّاً مريحاً ومسالماً".



يلفت مجذوب إلى أن المواطنين وخصوصاً الأولاد يتجاوبون جدّاً معها، "فهي لا تظهر كمنحوتة أو تمثالاً بل كشخصٍ بحدّ ذاته، لا يبغي أي أذى لمن يقدّم النقود"، منتقداً قلة الأماكن العامة في العاصمة بيروت وانتشار ثقافة العنف ونبذ الآخر بين اللبنانيين، ويقول إنه واجه صعوباتٍ في البداية "بما أننا معتادون غيابَ المشاركة العامة ونفتقد حسّ المدنية السليمة".


أما هل ستصمّم نافورات مال عام في مناطق أخرى، يجيب مجذوب "النهار" أن "المهم أولاً ملاحظة ما إذا أصبنا الهدف المبتغى منها، وهو تخفيف الاحتقان الحاصل ونشر ثقافة الأماكن العامة، وعندها لا مانع من تصميم غيرها بعد التنسيق مع البلديات والجهات المسؤولة".


وحتى اليوم، تبرز "نافورة المال العام" في الحمرا كملاكٍ متفائلٍ بلونها الأبيض واحتوائها النقود وأحياناً الورود. يزورها الناس ويستمتعون بالعروض الحاصلة من وقتٍ لآخر بقربها، وهي ستستمر في رسالتها حتى 12 تشرين الثاني المقبل من ضمن النسخة العاشرة لاحتفالات مهرجان بيروت لعروض الشارع (Beirut Street Festival)، على رصيف مبنى السارولا في شارع الحمرا.



 


 [email protected] / Twitter: @claudatanios

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم