الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

فيروسات لكل المذاهب

حياة ابو فاضل
A+ A-

كلما أتى رفاق الأهل لتمضية سهرة كلام وطعام ومرح، كان يسمح لـ"نائل"، إبن السنوات الست، أن يشارك لوقت قصير. والحديث كان عن حروب المنطقة المنكوبة. ذاك المساء دار الحديث حول "إيبولا"، فيروس أفريقيا الذي أرعب العالم. هل "إيبولا" مثل "داعش" يجتاح ويذبح الكبار والصغار؟ وفتح نائل فمه ليسأل، وكم أدهش الكبار لمّا قال: هل "إيبولا" سني أم شيعي؟


هكذا تنتقل عدوى شرور الجنس البشري من الكبار الى الصغار على مر العصور. وتظل تحمل بذور البغض والحروب والإرهاب، ولا تستفيق الشعوب على وجه آخر للحياة. ويبدو ان ظلام الامبراطورية العثمانية الذي قضى على بذرة الوعي في شرق أوسط مدى أربعة قرون، لا يزال يؤثر سلباً متسبباً بإرهاب يعيد الإنسان الى جهل بدائي. ولا ننس بلدان خليج عربي تتناغم مع تخلف مقاربة عثمانية لقضايا هذا العصر الكئيب، عصر الدمار الشامل.
ما الذي يعود بالإنسان الى بدائية مغارة وحجر مروّس، واستسهال ذبح الإنسان مذ طلب إله إبرهيم منه ذبح ابنه الصغير ليبرهن له عن حبه وإخلاصه؟ ويبدو ان صغار الجنس البشري ظلّوا يحملون من جيل الى جيل، فيروس إبادة الآخر داخل جيناتهم حتى عصرنا الذي جمع أحفادهم في تنظيمات داعشية دخلت بلدان الربيع العربي من بابها الخلفي، فقضت عليها وعلى ثوراتها الهائجة من أجل "حرية"، ابنة وهم لا يعرف الحقيقة.
ومثل أطفال فلسطين وأطفال العراق، أطفال سوريا
اليوم خارج أراضيهم وبيوتهم ومدارسهم ودفء جدران كانت تحميهم من صقيع مخيمات مذلة، ونقّ بلدان استضافتهم فصاروا عبئاً على أرضها وأهلها واقتصادها، واقتصاد عالم بكامله يشكو من عدد النازحين السوريين. أتلك هي الحرية التي استبسل من أجلها "ثوار" سوريون فوق منابر أوروبا؟ أهذه سوريا التي كانت تؤمّن لكل صغارها كل حاجاتهم المعيشية والطبية والثقافية مجاناً، ومن دون تفرقة مذهبية، والا لما كانوا كما هم اليوم، أطفال صبر وفهم وجمال على رغم علامات استفهام تعتلي وجوههم الصغيرة المتسائلة بألم؟
أما كان بإمكان الحكام ومنافسيهم الثوار الهاربين الى بلدان الشمال، الاتفاق على ترتيب جديد لنظام يترك مساحات واسعة للحرية وللتغيير؟ أما كان جديراً بالإنقلابيين التغيير بدءاً الى خطاب معتدل، لا يحمل كيداً وإهانات واستفزازاً قبيحاً لا يوحي بمطلق احترام للحرية أو لتطور اداء؟ أين هم من فهم حقيقي لقدسية أوطان متماسكة خارج التفتيت المذهبي؟
هناك عنف كثير يبدأ من الفكر وينتقل الى اللفظ، فيجذب كل "إرهاب" ذبذباته من ذبذبات الفكر المريض نفسه الذي فتح له باب الأوطان الخلفي. فكر ملوّث بفيروسات مذهبية مسيطرة.. أما مفهوم "الحرية" فلا يزال بعيداً عن ظالم وظالم آخر، متنافسين، وما من مظلوم إلا الشعب المغلوب على أمره، على مرّ التاريخ.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم