الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

3 أجانب يروون تجربتهم في لبنان

ساريتا سعد
A+ A-

من قال ان لبنان ليس مقصد محبّي الثقافة العربية؟ آنا إيريارتي دييز Ana Iriarte Diez، ايميليو اراندا مولينا Emilio Aranda Mollina وفابي مارتينيز Fabi Martinez ثلاثة نماذج عن طلاب أجانب كثر حصلوا على منحةٍ للدراسة أو التدرب في لبنان فأحبّوه وعشقوا أهله وتمنّى البعض منهم إطالة إقامته فيه ليخطط البعض الآخر لسبل العودة إليه للاستقرار في ربوعه.


اختيارٌ أم فرض؟


درست آنا (٢٤ سنة) من إسبانيا الترجمة في جامعة مدريد Universidad Autonoma de Madrid وكان عليها ان تختار تعلّم إحدى اللغات الأجنبية، وفي حين توجّه أكثر زملاؤها إلى تعلّم اللغة الفرنسية أو الانجليزية، أحبّت آنا اختيار الطريق الأصعب وتحدّي نفسها فوقع اختيارها على اللغة العربية ورجّحت في حديثٍ لـ"النهار" ان يكون "تأثرها بتاريخ الأندلس من الأسباب التي دفعتها إلى التعرّف أكثر على الثقافة العربية".


وشاركتنا آنا تجربتها، يوم بدأت تتعلّم اللغة العربية في إسبانيا متحدّثةً العربية بدرجة احترافٍ عالية وثقةٍ ملفتة: "... مع انّ المعلّمة لم تكن تعلّم "من قلبها" إلّا أنّني "انغرمت" باللغة العربية، بطريقة الكتابة، وشكل الحروف، وكيفيّة تركيب الجمل، وطريقة تفكير العرب عامّةً واللهجة اللبنانية خاصةً".
وتستذكر آنا كيف أتت إلى لبنان بحماسةٍ شديدة "كان بإمكاني ان اسافر إلى بلدٍ خارج اوروبا، وبما أنني أدرس العربية أحببت ان استغلّ الفرصة فأختار بلداً عربيّاً، فتواصلت جامعتي مع جامعة القديس يوسفUSJ في بيروت وتمّ التنسيق بينهما وحصلت على واحدة من المنحتين الاثنتين الوحيدتين المتوافرتين لجامعة مدريد".
وتعبّر آنا عن رغبتها الشديدة حينها للقدوم إلى لبنان: "أردت حقاً أن آتي إلى لبنان وقلت أنني أتقن الفرنسية مع أنني لم أكن كذلك فقط لأتمكن من المجيء والمشاركة في الصفوف"، مشيرةً إلى انّها "أخذت كلّ المواد باللغة العربية". ولا تنكر آنا انها "واجهت الصعوبات في البداية" ولكنّها لم تستسلم يوماً لأنّ هدفها كان مرسوماً أمام ناظريها بكلّ وضوح.


من جهتها، جذبت السياسة في الشرق الأوسط وتحديداً الوضع السياسي في لبنان المكسيكية فابي (٢٢ سنة) والطالبة في "العلاقات الدولية"، إذ قالت في حديثٍ الى "النهار" ان "لبنان بلدٌ مميّزٌ بنظامه السياسي خاصةً وانّه وسط بلدان عربية تتّبع أنظمةً مغايرة وتعيش في ظلّ ما يسمّى بالربيع العربي"، لذلك جعلت من "تأثير حزب الله على السياسة الخارجية للبنان" موضوعاً لرسالة نهاية دراستها الجامعية.
وبعد محاولات عديدة منذ عام ٢٠١١ للقدوم إلى لبنان، نجحت فابي هذه السنة في الحصول على منحةٍ مكّنتها من زيارة لبنان والتدرّب في احد المكاتب الديبلوماسية.


أمّا إيميليو فعلى عكس آنا وفابي، لم يفكّر يوماً بزيارة لبنان وكان عليه ان يختار خمسة بلدان يفضّل أن يسافر إليها إذا ما نال المنحة، الّا انّ الرياح لم تجرِ كما أراد، ولم يتمكّن من الذهاب مثلاً إلى دبي كما اختار، ليكون لبنان من نصيبه.


رؤيتهم للبنان قبل وبعد زيارتهم


لم يكن أهل آنا، وفابي وإيميليو يعرفون الكثير عن لبنان وكانت معرفتهم تقتصر على ما يسمعونه ويرونه عبر وسائل الإعلام، ففي نظرهم، انّ "لبنان بلد المخاطر والحروب"، ولكنّ إصرار أولادهم على المجيء جعلهم يكسرون حاجز الخوف جزئياً فيتركون حريّة القرار لأولادهم.


وفي هذا الإطار، تذكر آنا ان "نظرة أهلها للبنان لم تتغيّر إلا عندما تجرّؤوا وأتوا لزيارتها"، وتصف تلك الزيارة "بالمفصلية"، متابعةً انها "بعد زيارتهم شعرت بالفرق فقد اطمأن قلب والدتها ولم تعد تتصل بها بنفس الوتيرة".


وعن نظرتها الشخصية، أشارت آنا إلى انّ معلّمتها في إسبانيا أخبرتها القليل عن لبنان قائلةً انّه "أكثر البلدان العربية انفتاحاً فالناس مثّقفة وتتعايش مع بعضها باحترام رغم تعدّد الديانات واختلاف الطوائف"، وتؤكّد آنا انها "لمست بعض هذه الصفات في تعاملها مع الشعب اللبناني الذي وصفته بـ "القريب من القلب" و"الخدوم" والكريم".


أمّا في ما يتعلّق بالإستقرار في لبنان، فتكشف آنا انها "فكرة واردة"، مضيفةً "أتيت إلى لبنان في العام 2010 ومكثت لسنة لأعود بعدها إلى إسبانيا لمدّة سنة أيضاً ولكنّني عدت لأنني أحببت هذه البلاد وأهلها وقد مرّ على وجودي هنا ثلاث سنوات".
بدوره، تحدّث إيميليو عن تغيّر نظرته للبنان بعد مجيئه إلى هنا: "عبر وسائل التواصل الإجتماعي لا نرى من لبنان إلّا الإنفجارات والدمار، لذلك انصدمت عندما وصلت إلى هنا إذ انّ الواقع كان مغايراً كلّياً".


أمّا فابي التي كانت منهمكةً خلال حديثها معنا بتوضيب حقائبها للعودة إلى المكسيك فكانت ترى انّ "لبنان يعيش أوضاعاً صعبةً كأي بلدٍ يمرّ في ظروفٍ امنيّةٍ صعبة" إلّا انّها لم تشعر بأي خوف قبل المجيء وكانت حماستها طاغيةً على أيّ شعورٍ آخر، وعند سؤالها عمّا إذا خذلها لبنان، تردّ فابي مدافعةً "بالعكس تماماً، أشعر أنني في منزلي وبين عائلتي، حتّى انّني حزينة لمغادرتي" وتضيف بحزنٍ: "لا أريد العودة إلى المكسيك! سأعود إلى هنا، أحببت الشعب اللبناني والثقافة العربية".


نظرةٌ موضوعية عن الأوضاع في لبنان


بإمكان أي مواطن لبناني أن ينتقد الأوضاع السياسية والإجتماعية المتردية في لبنان ولكنّ إلقاء نظرةٍ من خارج المجتمع اللبناني يمكن أن تكون مفيدةً لتصحيح الخلل وإعادة النظر في الأمور الجوهرية.
وفي هذا الإطار تنتقد فابي النظام السياسي اللبناني مرتكزةً في ذلك على خلفيتها الدراسية، فقد اعتبرت انه "يمكن للبنان بتنوّعه وموقعه ان يتمتّع بسلطةٍ أكبر في المنطقة لو انّه فاعلٌ أكثر على الساحة السياسية".


من جهته، يلوم إيميليو الشعب اللبناني على "عدم تحرّكه ورضوخه للأمر الواقع"، مشيراً على سبيل المثال إلى ان "الكهرباء حاجة أساسية ولكلّ مواطن الحق ان تؤمّن له، ولكن التيار الكهربائي ينقطع لوقتٍ طويل وما من أحدٍ يتحرك فعلياً على الأرض لتغيير الواقع".


أمّا آنا فقد سمحت لها السنوات الثلاث التي عاشتها في لبنان أن تتعمّق أكثر في المشاكل اللبنانية، فذهبت في انتقادها إلى بيت القصيد، إلى "السوسة" التي تنخر المجتمع والسياسة اللبنانية على حد سواء: "الطائفية"، فقالت: "بعد مرور فترةٍ من الوقت استنتجت انّ ليس كلّ ما أخبرتني به معلّمتي في إسبانيا صحيح وأنّ التعايش "صوري" لأنّك عندما تدخل في عمق الموضوع تلاحظ مثلاً انّ الجار أحياناً لا يكلّم جاره لأسباب طائفية، وتتنبّه إلى ان المسلم يتجنّب الذهاب إلى بعض المناطق المسيحية والعكس صحيح".


وتبرّر آنا هذه الظاهرة "أنا لا ألومهم، إنها مؤثرات الحرب ونتائجها ولكن على الجميع أن يفهم أنّ الحرب انتهت وزمن العداوات ولّى... كوني أجنبيّة ولا أقف مع طرفٍ ضدّ آخر استطعت أن أعايش المسلم كما المسيحي كما الدرزي ولم يحصل يوم أن تعرّضت لأي شيء حتى في المناطق التي يصنّفها البعض بالخطيرة نوعاً ما".


ومن جهةٍ أخرى، تنتقد آنا وسائل النقل في لبنان وغياب النقل المشترك. وتعلّق كذلك على وضع العلب الليلية، إذ لاحظت انّ هذه الأخيرة "أصبحت حكراً على طبقةٍ اجتماعية معيّنة"، ولكنّها تعود وتكرر: "على الرغم من كل ذلك "انغرمت بلبنان"...


عاش آنا، وإيميليو وفابي في لبنان لفترةٍ متفاوتة إلّا انّهم احتكّوا بالمجتمع والنظام السياسي فكانت لهم نظرتهم الخاصة عن لبنان، وأحبّوه بحسناته وسيّئاته، حتّى أنهم أجمعوا ان لبنان بلد مميز، يتمتّع بسحرٍ خاص، وتشعر من حديثهم وطريقة كلامهم عن قطعة الأرض هذه أن شعلة "الانتماء" لامستهم بطريقةٍ ما فأرادوا العودة للمكوث... لعلّ الشعلة عينها تلامس كلّ مهاجرٍ لبناني فتعيده إلى جذوره، حيث الأهل، والوطن والحياة.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم