الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

شطحة خيال

حياة أبو فاضل
حياة أبو فاضل
A+ A-

الواقع ان هناك مصدر قلق دائما يضرب إنسان الأرض منذ بدء وعيه يوم دخلت الطبيعة بفصولها ومشاهدها برنامجه، من باب الخوف: العواصف والنار والمياه والصخر وكل ما شكل خطراً على وجوده. وطبعاً هناك الآخر المنافس على عطايا الحياة، مقدّس كل ما شكل له عنصر اضطراب مقدماً الذبائح البشرية والحيوانية في طقوس رافقت ظاهرة الخوف عنده حتى يومنا. وظلّ يسترضي آلهة خلقها خياله في رحلة بحث عن معرفة بلغ بعضها في محطات كثيرة، إلا انها لا خفّفت خوفا هو سبب كل الحروب على مر التاريخ، ولا هو اطمأن بفعل ديانات قال إنها قصدته من السماء لتضيء دربه.


وما أضاءت، فهناك رسالة لشعب قال إنه مختار، فهو الأفضل. وهناك رسالة مخلّص لأتباع خاطئين، حمل خطيئتهم فصلبوه بعدما أخافهم حديثه عن المحبة، وظلت عقيدة الخلاص أمنية مبهمة. أما الرسالة الثالثة فحفلت بتناقض بين إله محب رحيم وتهديد ووعيد ووعود بنار جهنم وعذاب أليم في مكان، وفي مكان آخر بحوريات، جوائز سماوية لمن يحارب في سبيل الرحمن. كل هذا ساهم في خلق ما كان عليه إنسان الأمس وما هو عليه إنسان اليوم، في رحلة بحث ما انتهت ما دام هناك موت وحقيقة واحدة: انه سيغادر مسرح الحياة الى مجهول، ربما "عدم"، صفر اليدين، الى أي بقعة أرض انتمى والى أي دين.
ومن ألفيات سبع تقريباً، في ملحمة بابلية رائعة، يحكي "غلغامش"، الأمير الفيلسوف مغامرة بحثه عن سر استمرار الشباب والحياة. وبرفقة صديقه ينزل الى أعماق البحر باحثاً عن عشبة تحقق أمنيته في حياة بلا نهاية.
وكان صراع مع أهل البحر، وتعب، وجروح، حتى فقد صديقه وبكى عليه كثيراً. ثم عثر على العشبة، الا انه قرر تقاسمها مع أبناء مدينته. وأثناء صعوده الى سطح البحر خطفتها منه سمكة جائعة، وظلت رحلة البحث بلا نهاية. قبل آلاف السنين كان هناك تعاطف بين الأمير والرفاق وأهل المكان... أما اليوم؟
ومن منتصف القرن التاسع عشر ملحمة ثانية أميركية كتبها هرمان ملفيل عن "موبي ديك"، الحوت الأبيض، ملك البحار الذي قضم ساق صياد حيتان أثناء رحلة صيد وتركه لتساؤلات ما حملت إلا خيبات ومرارة ورغبة شديدة في الانتقام. ولمّا قرر قتل "موبي ديك"، تركه أصدقاؤه إلا واحداً حاول إقناعه بأن الحب يهدئ النفوس المتألمة، الا انه أصرّ على الانتقام. ولمّا قلب الحوت سفينة الصيد وحطمها، تمكن من الصياد وقضى عليه.
للحب نسمة ضوء ظهرت في كل ما خطّ الإنسان، وقد أشار السيد المسيح الى أولويته في عمارة الحياة، ولو ان التعاليم المكتوبة ما لفتت الى انه وحده يزيل الحواجز بين كل المخلوقات وبينها وبين الطبيعة. فالإنسان جزء واع من الطبيعة، ثمرة من ثمارها الكريمة. ومهما بلغ من إنجاز بشري تظل الطبيعة تهدي اليه ما هو أهم من كل ماديات ما أضافت في العمق الى اطمئنانه. لذا هو يحارب الشر بالشر والإرهاب بالإرهاب حتى يعي وحدة الوجود، هو خلية من خلاياها، مستمر فوق كل ضفافها ما دام الوجود مستمرا، فيصير الخوف من الزوال شطحة خيال.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم