الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

مُنشد "البيئة الحاضنة" في الحرب على فيصل القاسم وسواه

المصدر: "النهار"
فاطمة عبدالله
A+ A-

بمكرٍ، ربما، ينتقي فيصل القاسم ما يناسبه من ردود أفعال ولّدها انتقاده الجيش، ويعيد نشرها على صفحته الفايسبوكية، تاركاً، لمن أيّده وعاكسه، تحويل البوست نموذجاً عن ستوديو برنامجه ("الاتجاه المعاكس" عبر "الجزيرة"). يُسمّي المُنشِد المقرَّب من بيئة "حزب الله" علي بركات "مطرباً لبنانياً"، ويعرّض أنشودته "يا فيصل إنتَ دجّال وسافل"، فايسبوكياً، لـ"النقاش" العام. شيءٌ ما، إحساسٌ أو تهيّؤ، يصوِّر القاسم منتشياً بالشتائم، يسعى إليها.



بركات مطوِّباً شريعة الغاب
يزعم بركات أنّ الشتيمة تُقابَل بالشتيمة، كما "العين بالعين". يذمّ القاسم الجيش مُصوِّراً إياه استعراضاً فنياً وطرفاً ضد طرف، فيتجنّد بركات، بـ"مبادرة شخصية"، لردّ الصاع. شريعة الغاب في أبهى حُلّة. يُكلِّف المُنشد نفسه، بحُكم اطمئنانه الى الفلتان السائد، "تأديب" القاسم. يُخطئ، فيُحاسبه، مُتعمِّداً الأسلوب النابي. يتراءى بركات وسط ماكينات شغّالة، متأهِّبة لأوّل "زلّة". ما إن نطق القاسم اعتراضاً على "وظيفة" الجيش، حتى جرت "مقاومته" بالكلمة واللحن والصفع. نسأله تفسيراً لـ"نشاطه"، والسرعة القياسية في تنفيس الغضب. ظرفُ ولادة الأنشودة، كلمات ولحناً وتسجيلاً وتسويقاً، يومان فقط! يحاضر بأنّ الجيش لا يُمسّ، ولا قادة المقاومة، والقاسم إذ يمسّ المحرَّم، "لا بدّ أن يُعاقَب". "هدية بسيطة جداً الى لاعق الأحذية"، يقول الكليب، خارجاً عن أصول الخطاب، ومتبرِّئاً من منطق تدارك الصوت المُعارِض.



العقاب "الشخصي" نحو فتنة التداول
الحرب مفتوحة، تلك مفردةٌ تُوصِّف الهذيان. بركات طرفٌ، شاء أم أبى، إذ يصوِّر نفسه في موقع "صدّ الأعداء". يتذرَّع بـ"حرية الرأي" عند سؤاله عن الصفة التي تخوّله الذمّ، أو الحضّ، بالأغنية، على الإقتتال. يمتشق المنطق من أطرافه، فإن سألناه جدوى مقابلة السُباب بالسُباب، أعادنا الى ذهنية الضحية والجلّاد. ثمة إرهابٌ ونفوسٌ حاقدة، ولا يفعل إلا الردّ. قد يغدو الآخر ساذجاً إن يجاري لساناً يشتم باسم "استعادة الحق". "يبرر" تحقير القاسم، واتهامه بالعمالة، بالقول إنّه "شتم الجيش، وفي اليوم التالي انتقد حزب الله". "مسّ فينا شخصياً"، فبلغ الردّ العامة. الترويج الفايسبوكي، والتعليقات المثيرة للفتنة، أخرجا بركات من كونه "حالة فردية" الى إشكالية تتعلّق بـ"البيئة الحاضنة". التوسُّع المنهجي من وضعية "تمثيل الذات" الى "تمثيل المجموعة"، يُرخي الريبة حيال بركات ومَن خلفه، وإن ظهر، عابراً، بعض الامتعاض. لم يصدر صراحة أنّه "صوت نشاز"، ولم يتوضّح الموقف في شأنه. حساسية التعاطي في ملف عرسال، فرضت على الحزب "التنصّل" من أنشودة "احسم نصرك في عرسال"، واللاتنصّل في آنٍ واحد. "بدّي وما بدّي"، لم يُحسَم القرار.



تمويل الصوت ليكون مستعداً للقتال
ليس مقنعاً "الجهد الفردي" في صناعة المنظومة الدفاعية. يؤكد بركات أنّ أحداً لا يدرّ عليه الأموال، ولا جهات تدعمه في الخفاء. مراراً، نخبره أنّ ذلك احتمالاً مُستبعداً، ولو لم تكلِّف الأنشودة ثروة. "لا بدّ أنّك لستَ وحيداً تُنتِج وتُسوِّق وتُجرِّح في الكلام". "جهد فردي"، يكرر. عبثاً، يبوح بالعكس. التمويل، وفق روايته، ليس وليد جهات تخوض النزاع. ما يُصيِّر الصوت "مقاتلاً" نوعٌ من "التمويل" يتعلّق بالبُنية النفسية. لا "رقابة" عليه، بل محض ضوء أخضر. كأنّ حاضناً يقول: "صعِّد، فما النصر إلا من عند الله".
لا ينكر بركات أنّه يمثِّل طموح جمهورٍ، وهاجسه حيال "العدو". التشديد على أنّه مرجعية ذاته، لا يُبرِّئ جهة "تتكتّم" على التغنّي بالفتن. لبركات باعٌ في العمل الإنشادي، منذ العام 1998 الى الآن. هو ابن قرية ربّ الثلاثين الجنوبية الحدودية، يبلغ 34 سنة، ويعتاش من الإنشاد. أناشيد عدة ردّ بها على المُحتل الإسرائيلي سابقاً، واليوم يكيل الأعداء الجدد بـ"القصاص". نحوٌ من 700 نشيد، هو أرشيفه المتنامي منذ قتال "حزب الله" في سوريا، منها "احسم نصرك في يبرود". يؤكد بألا تنسيق مع الحزب يتعلّق بالنبرة والسياق، وأنّ "الحزب يعلم بالأناشيد مع صدورها، إسوةً بالناس". هو "ضوءُ أخضر" ذاته، يقول، وإن صارحناه بأنّ قليلاً من العقل يُبيِّن العكس، جزم بالافتراء.



ردُّ الزعيق بالنشاز
يستقوي بركات بالجهة المُسلّحة الرابض تحت غطائها، متى حاججناه بأنّ القانون وحده المخوَّل محاسبة المخطئ، همَّش الدولة واستلم عنها الزمام. "طفح الكيل، ونفد الصبر"، وإن لم تكن ذئباً أكلتكَ الذئاب. يجاهر بالانتفاخ جرّاء امتلاك القوة، ولا يمانع، "إن فرض الظرف"، عودة الأشباح الى الشوارع وخطوط التماس. بركات جزءٌ من "الإعلام الحربي" في جهاز المقاومة حتى إثبات العكس. يتعمّد الحزب، ربما، إبقاءه على المحك، فيمدّه بالأوكسجين من غير أن يجاهر بمنحه "مطلق الصلاحيات". هنا الغابة، جديرٌ بالصدى إلتهام الأشجار وإرسال العصافير الى الميدان. ثمة ذبحٌ بالساطور، وآخر بالأعصاب، وثالث بتفريغ العقل. لا يتساوى حزّ الرقاب مع سواه من الفظاعة، لكنّ تمجيد الغزيرة، بشتّى الأشكال، إساءة أخلاقية تُنافي دقّة المرحلة، وإن اعترض بركات زاعماً أننا نتناسى الفعل المُمثَّل بالإرهاب، ونتلهّى بردّ الفعل عليه مُمثَّلاً بجهوده الإنشادية.



الشتيمة غيرها حرية الرأي قانوناً
يرفض المحامي جهاد عبدالله مبررات تتيح التطاول قدحاً أم ذماً على أفراد أو مؤسسات بغرض التشهير وتصفية الحسابات. نسأله، قانونياً، عن تحول الفن منابر للتراشق العبثي، وأداة لإبقاء الجبهة مشتعلة. يجزم بأنّ فارقاً كبيراً ما بين حرية الرأي والقدح والذم، ويتساءل عمن يكون بركات، ليقرر أنّ سمير جعجع، مثلاً، ينبغي أن يعود الى السجن (أنشودة "جعجع والرئاسة"). المُخطئ، يُحاسَب قانونياً، يقول عبدالله، "والجرم لا يبرر ارتكاب الجرم". يصوِّر المشهد: "هل يجوز، لدى سَوق المجرم الى السجن، رفسه طوال الطريق أو إفساح المجال لأي كان فيشتمه؟"، مفسِّراً أنّ من شروط تحوّل السلوك قدحاً وذماً، تداوله علانية، ما ينطبق على بركات.
هما خياران: دولة أو حظيرة. أما إضفاء التبريرات على تصرّف شنيع، بحجّة أنّه "ردّ فعل على ما هو أفظع"، فـ"لا يستند الى قانون أو منطق. فإن ارتكب فيصل القاسم جُرماً، ثمة قوانين تحاسبه، لا السُباب ولا المهانة". يُبقي عبدالله على الاحتجاج الحضاري وسيلة متاحة لتسجيل موقف، من غير أن يدّعي طرفٌ "الحق" بمحاسبة الآخر والترصُّد له. لماذا لم يُحَل بركات على المُساءلة؟ قال في جعجع تحريضاً على "العيش المشترك"، ودعا الى "احتلال عرسال"، واليوم يقتصّ من فيصل القاسم؟ نكرر، مع عبدالله، بأنّ الدولة في سُبات. "يُطبَّق القانون على جهات دون أخرى، وآلية المحاسبة غائبة". لو كان العكس، بحدّه الأدنى، لما تولّت الأحزاب رِقاب الناس، وحوّلتهم جميعاً مشاريع أموات.
[email protected]
Twitter: @abdallah_fatima


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم