الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

"إيبولا" وأمراضنا القاتلة

علي بردى
A+ A-

أمراض هذا العصر كثيرة. يستوجب التفشي الوبائي لمرض "إيبولا" استجابة طارئة على أرفع المستويات دولياً. تدخل مجلس الأمن والأمم المتحدة لاستنفار القدر الأوسع من الإمكانات لوقف انتشار الفيروس القاتل والعابر الحدود. غير أن العالم العربي يتعامل بطريقة بليدة مع هذا الخطر. ينشغل بأمراضه المقيمة الأشد فتكاً: التخلف والاستبداد والإرهاب.
يمكن "إيبولا" أن ينتشر وبائياً، ليس فقط ضمن حدود سييراليون وليبيريا وغينيا وغيرها من دول غرب أفريقيا، بل أيضاً في أنحاء كثيرة عبر العالم حتى خارج نطاق القارة السمراء. لا يمكن أن تكون بلدان الشرق الأوسط بمنأى عن خطر الإصابة بهذا المرض المعدي. ينتقل الفيروس بوسائل عدة وبسيطة. لا ضير إن شاركت الدول العربية - ومنها خصوصاً لبنان الذي لديه جاليات كبيرة في الدول الأشد إصابة - في الحملة الدولية المنسقة التي بدأت للتو لوقف الانتشار الوبائي للمرض، ومعالجة المصابين به، وتوفير الخدمات الأساسية في مناطق انتشاره، والحفاظ على الاستقرار في الدول المعنية، ومنع انتشار المرض الى الدول غير المتضررة منه حتى الآن. يمكن أن يستعير العرب بعض المفيد من ماضيهم أن "درهم وقاية خير من قنطار علاج". لبنان بالذات يمكن أن يجيش بعضاً من إرثه العريق في المجال الطبي للمساهمة – ولو باليسير المتوافر – في هذه الحملة.
يخطئ من يعتقد أنه ليس في الإمكان أفضل مما كان، وأن في مجتمعاتنا الكثير من أمراض السياسة والتطرف والتعصب. لا تزال صالحة تلك الوثيقة النادرة من عام 2003: تقرير التنمية البشرية في المنطقة العربية. وضع متنورون عرب أصابعهم على مواطن العلل. ليس من الإنصاف في شيء ألا تكون أمام العربي إلا الخيارات المقيتة للاستبداد والعنف والتخلف والأمية والفقر والتطرف والإرهاب. استحكم الاستبداد بهذه المنطقة أجيالاً. تكتب مجلدات عن السجون والزنازين التي "زيّن" بها طغاة العرب بلدانهم من المحيط الى الخليج. حدث ولا حرج عن الإدعاءات الفارغة الكاذبة. لا يزال التخلف مقيماً بين الجماهير الغفيرة في بلدان العرب. كان بعض هذه الجماهير يأتي الى لبنان لـ"يأخذ نفساً". غير أن هذا البلد "المنحوس" لم يستطع مقاومة انزلاق أهله الى العنف والتطرف. قطعوا عن أنفسهم موارد السياحة بسبب مرض "فوبيا العرب والأجانب". يحولونه دولة فاشلة يضرب بها المثل. العيّارون من العرب يتحدثون الآن عن "اللبننة" باعتبارها مرضاً معدياً وليس مناعة ضد الأوبئة.
الجهود المكثفة التي يبذلها المجتمع الدولي لمكافحة مرض الجماعات الإرهابية لا تحل محل وضع حد لانتشار فيروس "إيبولا". هذان مصدران أساسيان للأخطار التي يواجهها العرب.
لا بد أن يوماً سيأتي لإنصاف شخصية كالحبيب بورقيبة الذي أدرك باكراً أن نشر التعليم والمساواة بين الذكور والإناث وغيرها من الأسس والسياسات التي جعلت تونس بلداً قابلاً للتغيير وقادراً على ارساء مبدأ المشاركة في الحكم وتداول السلطة ومؤهلاً لمكافحة ما قد يصيبه من أمراض هذا العصر.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم