الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

هل يُصلّى على المنتحِر؟

المصدر: "النهار"
فيفيان عقيقي
A+ A-

تكثر في الفترة الأخيرة الأخبار عن حدوث حالات انتحار في مختلف المناطق اللبنانيّة، فتتعدّد الأسباب سواء جرّاء الحالة الاقتصاديّة والمعيشيّة، أو الإصابة باليأس والاكتئاب، أو الوقوع في أزمة عاطفيّة أو عائليّة، أو نتيجة الشعور بنقص ما... تعدّدت الأسباب ولكن النتيجة واحدة ارتفاع وتيرة الانتحار في لبنان لتتجاوز المئة سنويًا بحسب الإحصاءات الأخيرة التي نشرتها قوى الأمن الداخلي، ففي عام 2009 سجّلت 112 حادثة انتحار، وفي عام 2010 سجّلت 107 حالات، وفي عام 2011 وصل العدد إلى 102، والعدد نفسه عام 2013، فيما زادت هذه الحالات بنسبة 25% خلال العام الحالي.


لا شكّ في أن المعدّلات التي يسجّلها لبنان تبقى أقل من تلك في الدول الأوروبيّة والأميركيّة، لكن هناك عوامل ثقافيّة ودينيّة واجتماعيّة تخفي حالات كثيرة، بسبب خصوصيّة المجتمع اللبناني، والتلاحم الذي يميّز العائلات فيه، ومحاولة إخفاء سبب الوفاة. وفي وقت يؤكّد اختصاصيون في الحالات النفسيّة أن الذي يقدم على الانتحار يسعى للتخلّص من آلام وعذابات يعاني منها وليس الموت، إلّا أن المجتمع يلقي اللوم عليه ويدينه، مستغربين الصلاة عليه.


دينيًا، هل تجوز الصلاة على المنتحِر؟ وماذا تقول الطوائف في لبنان حيال الموضوع؟


الكنيسة الكاثوليكيّة
يقول الأب فاروق زغيب لـ"النهار" : "إن الكنيسة الكاثوليكيّة تأخذ في الاعتبار إمكان تعرّض المنتحر لحالة نفسيّة صعبة، لذلك تداري الأمور وتقيم الصلاة على نفسه. لكن إذا كان الشخص رافضًا للإيمان المسيحي ويسير في طريق الخطيئة، لا يمكن دفنه في الكنيسة".


ويضيف: "عمومًا نحن لا نملك سلطة على أرواحنا بل مؤتمنين على حياتنا، فالله هو ربّ الحياة، وبالتالي لا يجوز الانتحار. في السابق كان هناك تشدّد ورفض حيال الصلاة على روح المنتحر. لكن بما أن الرحمة الإلهيّة كبيرة، وتعاليم الكنيسة تتطوّر، وبما أن لا أحد يعرف ما في أعماقنا سوى الله، على الكنيسة أن تحتضن الناس والخاطئين".


الطائفة السنيّة
إلى ذلك، يقول الشيخ وسيم مزوّق لـ"النهار" : "شرعًا يصلّى على المنتحر لأنّه لا يُعتبر كافرًا، إلّا إذا صرّح قبل الموت أن قتل النفس حلال، ففي هذه الحالة لا يُصلى عليه. غالبًا يكون المنتحر تحت تأثير حالة نفسيّة أو ماديّة اجتماعيّة سيئة، وبالتالي يُعدّ المنتحر مسلمًا ولكن عاصيًا ارتكب كبيرة من الكبائر، فيحاسب يوم القيامة على قتل نفسه لأنّها أمانة من الله وضيّعها".


ويضيف: "هناك آيات في القرآن تحرّم قتل النفس ومنها (لا تلقوا بأنفسكم إلى التهلكة) و(لا تقتلوا أنفسكم)، وبالتالي من يقتل نفسه يكون قد خالف أوامر ربّ العالمين الذي وحده يحاسبه، وبالتالي يصلّى عليه ويكفّن ويدفن".


الطائفة الشيعيّة
وفي السياق نفسه، يقول القاضي الشيخ أسدالله الحرشي لـ"النهار": "شرعًا يصلّى على المنتحر ولا يجوز تركه من دون صلاة، ولو أنه ارتكب جريمة بحقّ نفسه، فهو يبقى مسلمًا ويُتجه للصلاة عليه كباقي المسلمين، فيما عقابه لدى الله. وهذا رأي قديم يُسنتد فيه إلى سنة الرسول".
الكنيسة الأرثوذكسيّة


الكنيسة الأثوذكسيّة
في المقابل، يقول الأب جورج برباري لـ"النهار": "هناك ثلاثة مواقف في الكنيسة الأرثوذكسيّة في ما يخصّ الانتحار والصلاة على المُنتحر. الموقف الأول يمنع الصلاة عليه ويرمي عليه الحرم الكنسي. الموقف الثاني يشير إلى إمكان دخول المنتحر في حالة نفسيّة غير طبيعيّة دفعته لقتل نفسه، وبالتالي لا يجوز الحكم عليه، بل الصلاة على نفسه. والموقف الثالث رعائي، فالأهل يكونون في موقف حرج وحسّاس بعدما فقدوا عزيزًا عليهم، ويدخلون في حالة عدم قبول الواقع وانتحار أحد أفراد العائلة، وبالتالي عدم صلاة الكنيسة عليهم يبعدهم عن تعاليمها ويزيد الجرح في قلوبهم. لذلك يصلّى عليه على رجاء أن يحاسبه الله".


ويضيف: "لا شكّ في أن الانتحار خطيئة، ولكن السرقة أيضًا خطيئة، فكما نصلّي على السارق المتوفي نصلي على المنتحر أيضًا، الذي غالبًا ما يكون ضحية حالة معيّنة. وهذا اتجاه موجود في الكنيسة منذ ما بعد الخمسينات من القرن العشرين، فسابقًا خلال الحكم العثماني كانت الأنظمة أكثر قانونيّة وكانت الكنيسة تحرم المنتحر من الصلاة كي لا تشجّع الآخرين على خطوة مماثلة، لكن اليوم بات ينظر للموضوع بطريقة إنسانيّة ورعائيّة".


طائفة الموحّدين الدروز
إلى ذلك، يقول مستشار مشيخة العقل، الشيخ غسّان الحلبي لـ"النهار": "قرآنيًا هناك الآية 151 في سورة الأسراء تحرّم قتل النفس، وتقول (لا تقتلوا النفس التي حرّم الله)، وحتى في الديانة الإبراهيميّة يُعتبر الانتحار يأسًا من وجه الله ومن نعمته، واليأس المطلق وفقدان الأمل مرفوض دينيًا. هناك، إذًا، قاعدة شرعيّة وتحريم شرعي للانتحار، لأن الله لا يحبّذ النفس اليائسة، الله موجود ومن لديه الإيمان يسلّم نفسه لمشيئة الله من دون أن يقتل نفسه".


ويضيف: "استنادًا إلى هذا الأساس الشرعي لتحريم قتل النفس، لا يصلّى صلاة كاملة على المنتحر، قد تقرأ الفاتحة فقط وهذه صلاة مختصرة، تعبّر عن رفض الانتحار دينيًا".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم