الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

تماثل بالضحية وتماهٍ مع المجرم!

سلوى أبو شقرا
A+ A-

"رح نموت بشي انفجار؟ رح يجو داعش ويسكنو بيتنا؟ رح تعلق؟".. عبارات أصبحت من روتين حياة سارة اليومي. ابنة السبع سنوات التي لا تنفك تطرح هذه الأسئلة على والديها اللذين يحاولان إما الهروب من الإجابة، أو التخفيف من هولها بأنَّ ما من شيء سيحدث. ولكن كيف يمكن سارة أن تطمئن وهي تسمع وتشاهد الأخبار والأحدث الدموية إن على التلفاز أو عبر أحاديث الناس الذين أصبحت أهم أحلامهم العودة سالمين إلى منازلهم. أما أقران سارة فيلعبون على الأرصفة وفي الشوارع يحملون أسلحة بلاستيكية يتمترسون خلف الجدران والسيارات، يصرخون هنا ويستخدمون عبارات تهدد بالقتل من هناك. هي مصطلحات وتصرفات أصبحت تمثل ألعاب الأولاد في لبنان، وصارت ثقافة حياة ومجتمع، والتي يرجع سببها إلى الخضات الأمنية والحروب والاشتباكات الداخلية وقطع الطرقات، التي أجبرت المواطن على تطويع نفسه وتقبُّل التغييرات الطارئة، ثم محاولة العودة إلى الحياة الطبيعية من جديد، والتعالي على المصائب والجراح، والاستمرار وكأن شيئاً لم يكن.


 


دوامة العنف
تشكِّل السيارات المفخخة والاشتباكات الداخلية وقطع الطرقات بالدواليب مصدر خوف لدى جميع المواطنين اللبنانيين الذين من الممكن أن نقول أنهم يعيشون "بالصدفة"! هذا الخوف أصبح معمماً، والذعر صار جماعياً، وربما أنَّ هذا هو المقصود من أجل تعميم مشاعر فقدان الأمن والأمان والإحساس بالتهديد الدائم. ويمكن التأكيد أن الانفجارات أو العبوات الناسفة والقنابل الصوتية، التي تهدد أمن المواطنين صارت تثير لديهم كل أنواع الانهيارات العصبية من القلق إلى البكاء إلى اضطرابات النوم.


 


مخاطر وتبعات نفسية!
تشير المعالجة النفسية والاختصاصية بعلم النفس العيادي نتالي مدلج إلى أن "الانفجارات وأعمال العنف يمكن أن تسبب الكثير من ردود الفعل العاطفية لدى الطفل كالقلق والرعب والخوف، وتزيد من احتمال رؤيتهم لكوابيس مزعجة ناتجة من مشاهد العنف التي يتأثرون بها، وإنه لأمر تراجيدي أن يكون الطفل شاهداً على الحرب والانفجارات والعنف".
وتضيف: "في الآونة الأخيرة، بتنا نعيش أحداث العنف بطريقة شبه يومية، يتم نقلها ومشاهدتها على شاشات التلفزة ومن ثم مناقشتها من الآباء والبالغين، ما يجعل الطفل يعيش في بيئة غير آمنة، وتزداد لديه فكرة وصول العنف إليه أو نحو أفراد عائلته، وأصدقائه ما يجعله مرتاباً طيلة الوقت وخائفاً من العالم الذي يحيطه، ومِن مَن هم حوله. وقد أظهر بحث في جامعة أميركية أنه بحلول الوقت الذي يتخرج الطفل فيه سيكون قد شاهد 8000 جريمة قتل و100.000 حدث مرتبط بأعمال العنف والجرائم، ما يجعله معتاداً ومتأقلماً مع فكرة العنف، وينطبع معها ويصبح من غير المبالين بها".
وتلفت مدلج إلى أنه "غالباً ما يعتقد الطفل أن العنف أمر وهمي موجود في الأفلام والقصص فقط، ولكن عندما يصبح هذا العنف الحقيقي، تتشكَّل لدى الطفل صدمة نفسية، إذ إن أعمال الإرهاب غير المتوقعة، المروعة والعنيفة الحاصلة من حوله تدفعه إلى عدم فهم أو قبول حقيقة ما يجري. من هنا، يصبح الأمر مربكاً بالنسبة إلى الطفل، خصوصاً في ظل غياب أي تفسير من الأهل أو البالغين من أجداد وأقارب لحقيقة ما يجري وعدم قدرتهم على طمأنته".
وتتابع: "تشير دراسة إلى أنه بعد مشاهدة التقارير الإخبارية خصوصاً التي تحمل مشاهد العنف، تتواتر أحداث العنف وتتزايد الجرائم العنيفة خلال الـ 3 أيام المتتالية، وفي عيادتي، وخلال الجلسات العلاجية مع الأطفال، ألاحظ أنهم يكررون من خلال اللعب ما يرونه، أو يسمعونه من عبارات متناقلة إما من على شاشة التلفزيون أو من أهلهم والمرتبطة بمخاوفهم من الموت والدم والتعرض لأذى ما. كما يكرر الأطفال مشاهد الحروب، والعمليات العسكرية، والقتل عندما يلعبون مع رفاقهم".
وتضيف: "من المؤكد أن الأطفال في مجتمعنا، ويا للأسف، أصبحوا متأثرين جداً بأنواع وأحداث العنف التي يعيشون تبعاتها، إلى درجة أن لعبهم بات "مشهداً لأعمال العنف اليومية". ولكن لا بد من الإشارة هنا إلى أنه ليس من الضروري أن يصبح جميع الأطفال عدوانيين، بل هناك عوامل نفسية تساهم في تفاقم السلوك العدواني لديهم. لكن نخشى على المدى الطويل، ومع التعرض المستمر للعنف، أن يفقد الأطفال حساسيتهم تجاه الألم والمعاناة، وأن تصبح حينها هذه الأحداث طبيعية بالنسبة إليهم. كما أنه في بعض الأحيان، يحاول الأطفال التماثل بالضحايا، وفي الوقت نفسه التماثل أيضاً بالمجرمين، خصوصاً في ظل غياب العقوبات على من يقومون بأعمال إجرامية ويخرجون على القوانين ما يجعل الأطفال يعتقدون أن كل ما يشاهدونه من قتل وإيذاء للآخرين وظلم هو أمر طبيعي، وليس هناك من سيحاسبهم أو يردعهم عن القيام بذلك، لأن أحداً لن يعاقبهم".


 


اضطرابات ما بعد الصدمة
يعاني الأطفال من الاكتئاب والقلق واضطرابات ما بعد الصدمة والخوف، ويحتاجون إلى الشعور بالراحة والاطمئنان خصوصاً قبل الخلود إلى النوم. فالأطفال لا يتفاعلون مع الانفجارات أو القذيفة أو الرصاصة، بالطريقة نفسها التي يتفاعل معها الراشدون، وقد تظهر ردات فعلهم في رفض النوم في غرفهم لأن نوافذها تطل على الجهة التي تأتي منها القذائف إذ إنهم لا يشعرون بالطمأنينة إلا في مكان مغلق النوافذ، لأنهم يعتقدون أن القذائف تدخل من الفتحات. وهذا الخوف الذي يتعرضون له يسبب لهم الكوابيس ونوبات القلق والاضطراب. كما أن ردود أفعالهم قد تتجلى عبر استيقاظهم خائفين ليهرولوا إلى أحضان والديهم طالبين حمايتهما. ونستطيع أن نفسِّر الاستعانة بالأهل على أنها إحدى الوسائل التي تشعره بالاطمئنان إلى السيطرة على العالم الخارجي المحيط به.


 


للأهل دور في الحماية!
تؤكد مدلج أنَّ "لأولياء الأمور دور كبير في حماية أطفالهم من جميع أعمال العنف والعواقب المحتملة. وقبل كل شيء، من الأفضل للأهل عدم السماح لأطفالهم بمشاهدة الأخبار لما تتضمنه من مشاهد عنيفة. كذلك، يُفضَّل تجنب مناقشة أعمال العنف أمامهم والتعبير عن الخوف واليأس أمامهم، لأنهم سيشعرون بعدم الأمان. كما أنه، في حال طلب الطفل من والديه أي توضيح أو تفسير، من الواجب عليهم قول الحقيقة له وشرحها بكلمات بسيطة تناسب عمره، فهذا أفضل من الكذب أو إخفاء حقيقة ما يجري، أي عليهم أن يشرحوا له بوضوح أن العدوان والعنف غير مقبولين، وبأنَّ ما يحدث الآن سوف ينتهي لاحقاً. كذلك، من المهم جداً طمأنة الطفل بأنهما سيكونان دائماً إلى جانبه لحمايته والحفاظ على حياته مهما حدث".


 


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم