الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

هزيمة النور

فيديل سبيتي
A+ A-

قلب صادق وحنون ومسالم ومتواضع كقلب السيد هاني فحص، لن يحتمل هذه المقتلة التي تجري على مد النظر. هذه قسوة وصلف وتوّحش أكثر مما يمكنه أن يصدّق أو أن يغيّر ويبدّل. كل الذين يعتقدون أنه كان لهم دور يؤدونه في حياتهم للجنوح نحو السلام والتآخي والحوار والعيش بهناء وترك ما لله لله وما لقيصر لقيصر، هؤلاء يشعرون بهزيمة نورهم في هذا الظلام المنتشر. السيد هاني واحد من هؤلاء. ما يؤذيهم يؤذيه. لكنه أكثرهم حساسية ورهافة، فكان الإرهاق أقوى من أن يحتمله.
ما الذي كان يفكر فيه السيد هاني في أيامه الأخيرة وهو على فراش المرض بينما يشاهد التفسخّ الهائل الذي يصيب نفوس البشر في هذه المنطقة؟ وبينما تحضَّر حرب قاهرة بالطائرات والجنود من الميليشيات المحلية؟ لا بد أنه شاهد الأبوكاليبس المقبل بغماماته السوداء التي ستزيد العتمة عتمة. روح السيد هاني المرهفة لن تتحمل هذا المشهد المرعب. لذا ترفرف الآن في الفضاء الرحب، في السلام الأبدي، حيث لا حروب ولا قتل ولا تدهور للبشرية باسم الدين، وحيث للسيد هاني أن ينعم بالهدوء والطمأنينة إلى الأبد.
السيد هاني فحص من القلائل المتبقين من الجنوبيين القدماء الذين كانوا لا يزالون على علاقة بالأرض والمؤمنين بحسب فطرتهم الطيبة، إيماناً صادقاً وبسيطاً لا يتخلله حزن غامر، كما هو عليه الآن. وكان يحارب من أجل العودة إلى تلك الفطرة، من بين ما كان يحاربه أو يحارب من أجله. كان يريد لرجل الدين أو العامل في سبيل دعوة الناس إلى حسن السبيل، أن يعود رجلاً عادياً يعيش بين الناس الذين يقتدون بأخلاقه الحميدة وحبّه للسلام، لا أن يتحوّل عضواً في طبقة من رجال الدين الذين لا يتورعون عن دعوة الناس إلى القتال والقتل.
خسارة السيد هاني في هذا الزمن بالتحديد، هي خسارة فادحة، فالرجال الذين يصدّقون أن في إمكانهم الدفع بالإنقلاب نحو التمدّن والتسامح، قلة في هذا الزمن، وخسارة واحد منهم كخسارة مجذاف. كخسارة معطف في عزّ البرد.
كان ينقصنا موت وخسارات. كان على ملاك الموت أن ينكأ جرحنا.
وداعاً سيد هاني، ولا تشغل قلبك علينا من هناك.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم