الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

هذه تجربتي في مجلس النواب!

يارا عرجة
A+ A-

دخولي مجلس النواب لم يكن مرتقباً وأنا في الثالثة والعشرين من عمري... إلاّ أنني كنت أحلم ومنذ طفولتي في هذه اللحظة، ليس حبّاً بالسلطة ولا تشبّثاً بمقعد، إنّما لأنني أؤمن أن لكل منا رسالة سامية وواجب تجاه وطنه ولبنان اليوم يحتاج إلى شبابه أكثر من أي وقت مضى ليبقى على قيد الحياة...



دخلت بوّابة المجلس مع طلاّب وشباب من مختلف الأعمار والطوائف والآراء يجمعهم هدف واحد وحلم واحد اسمه لبنان. جمعنا مشروع "شارك وغيّر" للمركز اللبناني للتربية المدنية، لمناقشة قانون الأحوال الشخصية مع النائبين أحمد فتفت وغسان مخيبر. لا يسعني أن أقول سوى أنّ اللقاء كان إيجابيّاً، خصوصاً في حضور الدكتورة اوغاريت يونان الناشطة في مجال حقوق الإنسان ومؤسسة جامعة اللاعنف الأولى من نوعها في لبنان والمنطقة. في بداية اللقاء عرض علينا قانون الأحوال الشخصية، وتعمّقت الدكتورة يونان في شرحه لنا مسلّطة الضوء على ثغراته ومشددّة على ضرورة تعديله. في هذا الإطار، طرح علينا مشروع القانون الجديد الذي قدّمته جمعية "شمل" إلى مجلس النواب بتاريخ 18-3-2011 والذي تمّ إدراجه على جدول أعمال اللجان النيابية المشتركة لأوّل مرّة بتاريخ 5-5- 2011. تبيّن بالتالي أن هناك أسباباً عدّة تستدعي التعديل السريع له أبرزها: منح الشباب الحق في الزواج المدني في وطنهم وتحت رعاية القانون اللبناني، إعطاء المواطنين الحقّ في اختيار أحوالهم الشخصية خصوصاً أن الدستور ينصّ على حريّة الدين والمعتقد. انطلاقاً من هنا، كان تبادل للأفكار والآراء حول الزواج المدني وضرورة إقرار قانون مدني في لبنان: كان الحوار مثمراً وشيقاً ومتنوعاً بفضل تعددّ الثقافات والبيئات الاجتماعية التي ميّزت الحاضرين: فأغلبيّة طلاب البقاع وافقوا على القانون الجديد مع بعض التحفظات، بينما تقبّله بصدر رحب طلاّب طرابلس وبيروت. إلاّ أننا جميعنا أجمعنا أنّ هذا التغيير ضروري وملّح لوضع حدّ لداء الطائفية المستشري، فيما اعتبره البعض الآخر بمثابة حلّ لجميع المشاكل الشخصية والعائلية أي ما يتعلّق في حقوق المرأة والطفل والإرث والطلاق، لأنّ قانون الأحوال الشخصية نواة الدستور اللبناني وحياة المواطن. لقاؤنا هذا نموذج عن المجتمع اللبناني، بشرائحه، وتكويناته، وأفكاره وآراءه، فكما لمست الانفتاح والثقافة، لمست الانغلاق والتبعية. التبعية نعم، وأقصد بها التبعية للزعيم والرئيس. فمقابل الشباب المستقلّ سياسياً، اجتماعياً وفكرياً، كان هناك الشباب المنتمي إلى الأحزاب والتيارات السياسية! وفي مقابل تدفّق تيّار التجددّ والتعديل، كانت خطابات زعماء الكتل السياسية الكبرى تخترق الصالة من خلال أفكار جيل اليوم التابع لأمراء الحرب الأهلية. يتباهى هذا الجيل بنفسه، ويفخر بانتمائه إلى هذه الأحزاب، بينما الزعماء يستمرون في توارث الحكم! من بعدها، عمد القيّمون على المشروع إلى تقسيمنا فرقاً، عاودنا التفكير في القانون لنضع الأسئلة وطرحها في الجسلة القادمة على النواب، لمعرّفة معوّقات إقرار هذا القانون وحثّهم على إقراره. في ختام الحلقة، نوقشت جميع الأسئلة واختير أفضلها لطرحها على النائبين، مع العلم أنّ نقاشاً كهذا يحتاج إلى تفاعل عفوي وأسئلة عفوية من الطلاب. عموماً هذا ما حصل في الجلسة الرسمية، حيث استقبلنا النائبان في جوّ من المرح والجديّة في آن: من يراهم في هذه الروح المرحة، يظنّ أنّهم عادوا عشرين سنة إلى الوراء، فاستعانوا بالأمور الشبابية الرائجة كالـ "selfie"، والنكت لكسر حاجز الخوف أو الصورة المسبقة المطبوعة في أذهاننا... اللقاء كان مثمراً، وساد بيننا جوّ من الديناميكيّة والحوار السلس المبني على الأفكار القانونية والاجتماعيّة: ذُهلت بمدى تعمّق مخيبر وفتفت في القانون ودرايتهم بتفاصيله... لم يترددّ النواب في إجابتنا عن أسئلتنا ولكنهم تهرّبوا من بعضها: مجتمعنا عبد للأديان والطوائف، زعماؤنا مرآة لرجال الدين في السياسة، ونحن دمى تتحكّم بنا الأحزاب والتيارات السياسية. لا بدّ لنا من نظام علماني يكفّ أيدي رجال الدين وينشلنا من التعصب والانقسامات والتشرذمات الطائفية. كلماتي هذه ليست دعوة للإلحاد أو الثورة على الأديان ورجالها، بل لتسليط الضوء على المعوّق الأساسي لإقرار قانون الأحوال الشخصية: "الديانات" والطوائف. وهذا ما يخيف نوّابنا اليوم من إقرار القانون: مجتمعنا غير مستعدا لذلك، مجتمعنا ما زال خاضعاً للديانات ورجالها، وغارقاً في دوّامة الحرب الأهلية. ولكننا، نحن، الجيل الجديد لم يختبر الحرب الأهليّة فعلياً ويرفض خوضها نتيجة خطابات الزعماء الطائفيّة التي تقودنا بطريقة أو بأخرى إلى ذلك! وفي الختام هذا أبرز ما ينص عليه القانون المعدّل: الحقّ بإقامة احتفال ديني أو أخذ مباركة الشيخ والكاهن بعد انعقاد مراسم الزواج المدني، إنشاء محاكم مدنية في لبنان، الاعتراف بحقّ الطلاق، والتساوي بالإرث. وكان الهدف من هكذا حوار، تفعيل المناقشة بين النواب وشباب لبنان وتعزيز دورهم.



القانون المدني وحده ضمانة العيش المشترك، أقرّوه نحن في أمسّ الحاجة إليه! أقرّوه إنقاذاً للبنان وشعبه.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم