الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

جلال خوري ينشر "خدني بحلمك مستر فرويد"

المصدر: "النهار"
A+ A-

كشف الكاتب المسرحي جلال خوري عن انتهائه من كتابة مسرحية "خدني بحلمك مستر فرويد" تمهيداً لنشرها ورقياً في كتاب من 48 صفحة، سيصدره في غضون أسبوعين. وأشار إلى أن الكتاب يتضمن مقدمة تغوص في مضمون المسرح وواقع المسرح بعنوان "بانتظار زمن المسرح". وحصلت "النهار" على النسخة المنقحة من المقدمة.


"إنّ دوام هذا الفنّ في بلادنا ضربٌ من المُحال"
مارون النقّاش (1817-1854)



في انتظار زمن المسرح


مَرّ المسرح الغربيّ الذي انطلق قبل خمسة وعشرين قرنًا في ثلاث حِقب تاريخيّة تألّق خلالها بشكل مميّز : حقبة التراجيديا الإغريقيّة، في أثينا، عندما شَرع المواطنون الأحرار في الكفّ عن الاحتكام إلى الماورائيّات في الشؤون العامّة، القانونيّة والأخلاقيّة، فانعكس ذلك بوضوح في ثلاثيّة أسخيلوس المعروفة بـ"الأوريستيا". تزامَن ذلك مع نشوء ما عُرف بالإصلاحات الديمقراطيّة (507 ق. م.) التي بنتيجتها قَطع الفرد الرحم مع الجماعة العشائريّة. على أثر هذين التطوّرين اللذين لا سابقة لهما في التاريخ، باتت الخيارات السُلوكيّة للفرد ذاتيّة المنبع، بعيدة من كل شرْع أو وحي روحانيّ، أو نظم قبليّة، فشكّلت له تلك الخيارات مصدر قلق ومُعاناة تجلّت في رائعة سُفوكلس "أوديب الملك"؛ حقبة الدراما الإليزابيثيّة، في أواخر القرن السادس عشر، بعدما أنهى عاهل إنكلترا هنري الثامن وصاية بابا روما على الكنيسة في بلاده، ممّا أدّى، طوال عشرات السنين، إلى غياب لافت لأيّة سلطة دينيّة نافذة تراقب وتحدّد هوامش التفكير والتعبير كما هو واضح في مسرحيّات هذا العصر، وبشكل جليّ في أعمال وليم شكسبير وكريستوفر مارلو؛ والحقبة الحديثة، في القرن العشرين، لاسيّما في ألمانيا، مع المسرح السياسيّ الذي سعى إلى بلورة مقاربة جديدة للوعي البشريّ انطلاقًا من إيديولوجيّة تنظر إلى الصراع الطبقيّ على أنّه المحرّك الرئيس للتاريخ، والحاسم في إرساء إدراك البشر وفقًا لما صرّح به كارل ماركس ("أنّ الاقتصاد هو الذي يحدّد ضمائرنا في نهاية المطاف")، فتجاوز المسرح السياسيّ هذه المفاهيم الشائعة، الجماليّة والاجتماعيّة، كما برز جليًّا في كتابات برتولت بريشت، وبالأخصّ في "السيّد بونتيلا وخادمه ماتي"، كما في "دائرة الطباشير ألقوقازيّة".


من الواضح أنّ القاسم المشترك للحِقب المذكورة هو تراجع العامل الدينيّ في الحياة الجماعيّة، ممّا يدفعنا إلى الاعتقاد بأن ازدهار المسرح في أوروبّا جاء في موازاة ارتداد وقع الإيمان على النفوس، فأخذ المرء يبحث، عند تخوم المعتقدات، عن أجوبة على تساؤلاته الكبرى، بما فيها المصير النهائيّ للإنسان، أو طرح معضلاته الحياتيّة بمعزل عن أيّ مُسمّى أو بعد لاهوتيّ، غالبًا ما حدث ذلك حيث وجدت مساحة من الحرّيّة تسمح بالتعبير ولو بطلاقة منتقصة... يجدر التذكير بأنّه، بالنسبة للمسرح، كان دائمًا، للأديان السماويّة، مواقف متحفّظة كي لا نقول رافضة بشكل أو بآخر.


أمّا في عالمنا المشرقيّ، فقد دخل هذا الفنّ مع مارون النقّاش (1847) في سياق انتشار النموذج الثقافيّ الأوروبيّ الذي اعتُبر آنذاك المدخل المحتّم إلى التنوير والتقدّم، فلقي صدىً في صفوف البعض، كما شكّل صيغة روائيّة استهواها الناس كونها تحكي بالصوت والصورة، إن صحّ التعبير، القصص المتنوعة، ذلك قبل أن تتقدّم عليها السينما والتلفزيون.


منذ مارون النقّاش حتّى اليوم، اقتصر كلّ ما فعله العاملون في هذا الحقل عندنا، في الشكّل والجوهر، على نسخ أو استلهام التّراث الغربيّ ونقله، في منحى اتّسم بالتبعيّة، إلى هذه المساحة الحضاريّة حيث يعتمد الإنسان الدين للإجابة عن كل التساؤلات التي تعتري وجدانه كافّة، كما لا يزال الفرد فيها مقيّد بشكل كبير بالجماعة وبسلوكيّاتها، فكان وقع المسرح مختصرًا على أناس جذبهم التقدّم العِلميّ والمجتمعيّ في القارّة العجوز، فتلهفوا تراثها اعتقادًا منهم أنّ الانشراح الثقافيّ يأتي من حيث تغيب الشمس. من هنا، لا بدّ من الاعتراف أنّ هذا الفنّ بقي عندنا مجرّد تقاسيم على مقامات غربيّة، بعيدًا مما يعني بالعمق الوعي الجماعيّ، إذا استثنينا دوره العرضي على اثر الزلزال الذي أصاب النفوس بعد هزيمة الــ67، أو الاقبال على كوميديا تميّزت بطابعها الشعبيّ، أو بفضل ممثّلين ظرفاء.


هل أصاب مارون النقّاش عندما تكلّم عن استحالة تجذّر المسرح في بلادنا ؟ هل علينا أن نعترف بأنّه كان ولا يزال "طبخة بحص"، لا حاجة له ولا جدوى منه، خصوصاً بعدما حلّت مَحلّه الشاشات الصغيرة والكبيرة ؟ إلّا إذا أصبحنا على أعتاب زمن قد يتطلّب الاستعانة به نظرًا إلى اللّعبة التي يتميّز بها والتي تقوم على التفاعل المباشر والحيّ بين الممثّل والجمهور، ذلك بهدف التعبير عن معاناة الإنسان المعاصر، تلك التي قد لا تستجيب لها بالضرورة الماورائيّات... أو لتبصّر مبتكر للكون ناجم عن تناغم بين ما هو اختباريّ وما هو روحاني، ما هو إدراك حسّي وما هو دهريّ، أي عن رؤية شموليّة حدْسيّة لا ينقضها أيّ فكر علميّ، وتفّتح الأفاق أمام رجاء جديد.


جلال خوري


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم