الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

أُخطُف تجِد!

المصدر: "النهار"
فيفيان عقيقي
A+ A-

الخطف مقابل فدية، الخطف على الهوية، خطف أجانب لتحقيق أهداف سياسيّة، خطف لاسترداد مخطوفين. في لبنان "كلّو يوجد".


شهد لبنان في تاريخه المعاصر حالات خطف كثيرة. فعايشنا الخطف على الهوية على يد الميليشيات المتناحرة إبان الحرب اللبنانيّة، وتطوّر الوضع خلال المرحلة نفسها لنشهد حالات خطف لأسباب سياسيّة نفّذتها الميليشيات أيضًا بهدف الضغط على حكومات أجنبيّة تحقيقًا لمكاسب سياسيّة على الأرض. ومع انتهاء الحرب وانتقالنا إلى مرحلة إعادة الإعمار واجه البلد خضّات اقتصاديّة متعاقبة، لم يجد البعض لأنفسهم مخرجًا منها سوى بالخطف وطلب فدية. وأخيرًا نشهد حالات خطف لاسترداد مخطوفين بسبب ما تعانيه الدولة من جمود في آلية اتخاذ القرار، ونظرًا لعجزها عن بسط سلطتها على كامل أراضيها.


الخطف والخطف المضاد الذي شهدناه أخيرًا أومأ إلى مخاطر اندلاع فتنة مذهبيّة تهدّد وحدة الدولة، وأعاد إلى الأذهان مظاهر الحرب الأهليّة.


العجز يولّد تجاوزات
عمّاذا تعبّر ظاهرة الخطف في لبنان، وهل هي الحلّ لعجز الدولة أمام بعض الملفات؟ يقول الدكتور في علم الاجتماع السياسي، بسام الهاشم، لـ"النهار": "إن الخطف الذي نشهده راهنًا يعكس حالة التحلّل في أواصر النظام السياسي الاجتماعي اللبناني وفي الدولة اللبنانيّة، وهو ما يدفع الناس إلى اللجوء لحماية من المفترض أن تؤمّنها الدولة لهم. فالتركيبة السياسيّة اللبنانيّة عاجزة ومشلولة أمام التهديدات، لذلك يسعى الناس لحماية أنفسهم بالوسائل المتاحة لهم، فنراهم يخطفون. لكن يجب التنبّه إلى أن البعض يخطف كردّة فعل عفويّة، والبعض الآخر يكون مدفوعًا بهدف افتعال ردود فعل عنيفة وجرّ البلد نحو الفتنة".


احذروا الفتنة!
هل ما نشهده هو مدخل حقيقي لفتنة أهليّة خصوصًا أنه أعاد إلى الأذهان مشاهد الخطف على الهوية الذي انتشر إبان الحرب اللبنانيّة؟ يردّ الهاشم: "شئنا أم أبينا، البلد مقسوم سياسيًا إلى محورين، لكلّ منهما اتجاه معاكس للآخر واستراتجيتان متصادمتان. ومن المعلوم أن السياسة العامّة المرسومة للشرق الأوسط وبما فيه لبنان، تهدف إلى تفتيته وتقسيمه خدمة لاسرائيل وكسر كلّ أشكال المقاومة فيه. وتاليًا الهدف من الخطف زعزعة الاستقرار وقلب المعادلة الداخليّة والقضاء على أية مقاومة، واستدراج الناس إلى فتنة سنية – شيعيّة، تذهب الأقليات فيها فرق عملة".


ويضيف: "إن هدف خطف العسكريين اللبنانيين لم يكن فقط للإفراج عن محكومين ومجرمين وإرهابيين يقبعون في السجون اللبنانيّة، بل الهدف الأساسي منه تفتيت الدولة وكسر هيبتها وإشعال الفتنة. الإرهابيون يهدّدون بالذبح للاستمرار في مسلسلهم التخويفي. فإذا سلّمت الدولة القابعين في السجون، تكون قد سقطت وخسرت هيبتها، وسلّمت قرارها لأبو بكر البغدادي، وهذا ما سيدفع البعض للهجرة بحثًا عن الاستقرار والأمان، فيما سيسعى آخرون للتسلّح والاعتماد على الأمن الذاتي وتشكيل الميليشيات للدفاع عن وجودهم. وإذا لم تخضع الدولة للابتزاز والشروط، ستكون في مواجهة مع أهالي العسكريين المخطوفين، وستخلق حالة من الحماوة الشعبيّة على الأرض، وسيتدخّل وقتها الطابور الخامس، ليحدث خطف وخطف مضادّ، ما سيجرّنا إلى حرب أهليّة تفكّك الدولة".


تبعات نفسيّة
مع تفشي ظاهرة الخطف في لبنان، وازدهارها تبعًا للظروف السياسيّة والأمنيّة، يرتفع احتمال انتقالها وانتشارها في مناطق أوسع، ما يولّد حالة عامّة من الخوف. يفسّر الاختصاصي في الصحّة النفسيّة، المعالج والطبيب، الدكتور ميشال نوفل، لـ"النهار" هذا الهلع العامّ ويقول: "عمومًا في خضمّ الأزمات السياسيّة والوطنيّة، يفقد الفرد الشعور بالأمان، ويفقد معه أي قناعة بأن هناك أشخاصًا معيّنين فقط قد يطاولهم الخطف. واليوم بالتحديد بعدما أصبح الخطف عشوائيًا ومن الممكن أن يستهدف أي شخص، في أي وقت وأي مكان، بات اللبنانيون يخشون المجهول أكثر، وهو أمر مرهق بحدّ ذاته، ويؤثّر في حياتهم اليوميّة ونوعيّتها على جميع الصعد، فيواجهون صعوبات في عملهم مثل تشتّت تركيزهم، ويصبحون أكثر وأسرع تعرّضًا للانفعال، ما ينعكس على علاقاتهم وتفاعلاتهم الاجتماعيّة، وعلى الأجواء في محيطهم كالمنزل، فمثلًا تتأثر نوعيّة نومهم خصوصًا لدى الأهل الذين ينتظرون عودة أولادهم في ساعات متأخّرة من الليل".


ويضيف نوفل: "هذه الحالة من اليأس تصبح دائمة وتترافق مع وهم من إمكان حدوثها مجدّدًا، حتى لو لم يكن هناك أي معطى حسي لإمكان تعرّضهم للخطف، هم أو أحد أفراد عائلتهم، لأن التفكير بالموضوع مرتفع نسبيًا اليوم، خصوصًا بعدما أصبح الخطف واقعًا أليمًا مفروضًا عليهم".


... وصولًا إلى الإعدام
من جهة أخرى، يشرح المحامي جيلبير سلامة لـ"النهار" كيفيّة إثبات وقوع جريمة الخطف، ويقول: "تتعدّد الأسباب والغايات لارتكاب الخطف علمًا أنها جريمة يُقصد بها حمل المخطوف، بالخداع أو بالعنف، على الانتقال أو نقله، من مكان الى آخر من دون إرادته، ومنعه من الخروج وحرمانه من حريته الشخصيّة. ولإثبات وتأكيد وقوع هذه الجريمة يجب توافر عناصر عدّة هي فعل الخطف، ووقوعه بالخداع أو بالعنف، ووجود قصد جرمي وراءه".


وعن المواد التي تعالج هذه الجريمة في القانون اللبناني والعقوبات التي ينصّ عليها، يشرح سلامة: "تناول القانون اللبناني جريمة الخطف في المواد 514 و515 و516 و569 و570 من قانون العقوبات، وحدّد العقوبات المترتبة على هذه الجريمة بكل أشكالها ودوافعها. فهي قد تكون السجن حتى الثلاث سنوات إذا كانت بقصد الزواج. وقد تصل إلى الأشغال الشاقة الموقتة لمدّة سبع سنوات إذا كانت بقصد ارتكاب الفجور. أما عقوبة الخطف بقصد الحرمان من الحرية فهي الحبس حتى سنتين، لكن مع ازدياد هذه الجرائم خلال الحرب اللبنانيّة، عُدّل القانون وشُدّدت العقوبة لتصل إلى الأشغال الشّاقة المؤبدة في حالات معيّنة، وقد تصل إلى الإعدام في حال وفاة المخطوف".


ثقافة لبنانيّة؟
غالبًا ما يدرج استعمال نظريّة المؤامرة للإشارة إلى وجود مخطّطات خارجيّة وتبرير أي فعل شاذّ في المجتمع، ورغم أن القانون يحاسب على الخطف نرى أن هذه الظاهرة تتكاثر في ظروف معيّنة قد تكون اقتصاديّة أو سياسيّة وأمنيّة، فهل هي تدخل ضمن ثقافة المواطن اللبناني للوصول إلى مطالبه؟ يقول الهاشم: "هذه الظاهرة مستجدّة، وهي من الظواهر الإرهابيّة التي بانت في العالم المعاصر وتعبّر عن انحرافات في الثقافة، وتاليًا هي ظاهرة عالميّة وليست محصورة فقط في لبنان. كانت في مرحلة ما مافياويّة بهدف الحصول على أموال، وتطوّرت لتصبح وسيلة تهديد ومواجهة وابتزاز لتحقيق وبلوغ مآرب منوّعة. إذًا، هي لا تندرج تحت خانة الثقافة اللبنانيّة، بل منتشرة أينما كان لتحقيق غايات. قد يستعملها بعض الناس لغايات بريئة فيرون فيها طريقة مناسبة للإفراج عن أولادهم، ولكن الإرهاب التكفيري يستعمل براءة هؤلاء لتدمير لبنان وتحقيق مشروعٍ تفتيتي، عبر خلق حلقة من الأفعال وردود الأفعال. وإباحة هذه العمليّة الخطرة تطرح كثيرًا من علامات الاستفهام. لكن درء الفتنة كان الخيار الدائم في لبنان ونحن صامدون بوجهها حتى اليوم، رغم المطبّات التي أعاقتنا منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005".


لا تفكّروا


ما هي الخطوات التي يمكن اتباعها لتجنّب التفكير بالخطف أو إمكانيّة التعرّض له؟ يقول نوفل: "هناك أساليب عدّة يمكن الفرد اتباعها لعدم التفكير بالخطف وتبعاته، بداية عليه أن يلهي نفسه، ويتجنّب الاطلاع على أي مصدر للمعلومات حول الخطف أو الاطلاع على وسائل الإعلام بطريقة معتدلة. ومن الأمور المساعدة أيضًا، مواصلة حياتهم كالمعتاد، ممارسة التمارين الرياضيّة، إلهاء أنفسهم بنشاطات منوّعة، والتفكير بطريقة عقلانيّة وليست عاطفيّة".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم