السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

تركيا من "الشعبوية" الى الاستراتيجيا "المحافِظة"؟

سركيس نعوم
سركيس نعوم
A+ A-

يبدو أن زعيم "حزب العدالة والتنمية" التركي رجب طيب أردوغان يحلم كثيراً ويحقق عادةً أحلامه. فيوم غادر الحزب الاسلامي الذي أسّسه السياسي المعروف نجم الدين أربكان حلم بتأسيس حزب آخر يحمل طابعاً اسلامياً عاماً ويتجنّب في الوقت نفسه أخطاء أربكان، وخصوصاً بعدما وصل الى الحكم، وفي مقدمها استثارته العلمانيين الذين خافوا على دولتهم التي أسَّسها أتاتورك وعلى حاميها الأول الجيش. وحقّق حلمه بمعاونة عدد من أصدقائه الأربكانيين في مقدمهم عبدالله غل. والحلم الثاني لأردوغان كان وصوله بواسطة حزبه إلى الحكم. ولم يكن ذلك ممكناً الا بعد ممارستهما نشاطاً واسعاً وتحقيقهما إنجازات وإطلاقهما طموحات كثيرة عند غالبية الشعب التركي. وقد نجحا في تحقيق ذلك وخصوصاً بعدما تسلم أردوغان رئاسة بلدية اسطنبول، وحقَّق بواسطتها انجازات مهمة جعلت مواطنيه يحلمون بانجازات أخرى أكبر على يديه ويدي حزبه. إذا تولّى رئاسة الحكومة حيث تُمارَس السلطة والحكم الفعليَّين. والحلم الثالث عنده كان وصوله الى رئاسة الجمهورية ولكن بعد إدخال تعديلات أساسية على الدستور تجعل شاغل هذا الموقع الحاكم الفعلي لتركيا وليس رئيس الحكومة، الأمر الذي يمكّنه من تنفيذ مشروعه الداخلي الطموح ذي الابعاد الإقليمية والدولية. ولكن شعبيته وحزبه الواسعة جداً في تركيا التي مكّنته من الفوز في الانتخابات التشريعية اكثر من مرة وتالياً من البقاء في السلطة (التنفيذية)، لم تكن كاسحة بحيث توصِل إلى مجلس النواب أكثرية ثلثين من حزبه لإجراء التعديل الدستوري. ودفعه ذلك الى الاكتفاء بتحقيق نصف حلمه الثالث وهو الوصول إلى رئاسة الدولة. إلا أنه، وبسبب طموحه غير المحدود وثقته الكبيرة بنفسه و"بكاريزميته"، بقي مصمِّماً على تحقيق النصف الثاني من الحلم في العام المقبل 2015، أي بعد الانتخابات النيابية التي يعمل جاهداً كي يفوز فيها بالأكثرية اللازمة دستورياً لجعل رئاسة الجمهورية في بلاده الأولى فعليّاً وليس اسمياً فقط. وهو يعتمد في ذلك على النجاح الواسع لحزبه في الانتخابات المحلية التي أُجريت قبل أشهر رغم الصراع الحاد الذي نشب بينه وبين مؤسِّس الحالة الاسلامية في تركيا ولكن ثقافياً، وصاحب النفوذ أو الوجود في غالبية الدوائر والإدارات الرسمية، وشريكه السابق في الداخل فتح الله غولن المقيم حالياً في أميركا. كما يعتمد على استمرار تماسك حزبه وعلى شخصية خَلَفِه في رئاسته، وعلى التعاون والتنسيق بل التكامل الذي لا بد أن يقوم بينهما بحكم تولّيها رئاسة الحكومة. والشخصية هي وزير الخارجية "السابق" أحمد داود أوغلو المثقف والأكاديمي والسياسي الذي يعتبره كثيرون استراتيجي الفكر رغم الفشل الذي مني به ورئيسه أردوغان في التعاطي مع الموضوع السوري في أعقاب الثورة على نظام الأسد.
هل يتحقَّق النصف الثاني من حلم أردوغان السنة المقبلة؟
لا يمكن الجزم بذلك منذ الآن. فالسلطة تستهلك الذين يمتلكونها ويمارسونها، والرأي العام في الداخل التركي يبدو منقسماً، بشيء من التوازن، حيال أردوغان وحزبه. فهو فاز بـ53 في المئة من الأصوات الشعبية، في حين نال منافساه مجتمعين نحو 47 في المئة، وذلك يعني أن ازدياد النقمة عليه سواء بسبب شعبويته أو ميله الى التحكم في الاعلام والسياسية والسيطرة عليهما، وخصوصاً إذا ترافق ذلك مع جمود اقتصادي بعد مرحلة ازدهار أنتجها حكمه، ومع تطورات دراماتيكية اقليمية ذات انعكاسات داخلية على الاستقرار المتنوع. وذلك يعني أن اكثريته النسبية قد تنخفض أو ربما تتحوّل أقلية وإن كبيرة مستقبلاً.
إلا أن للاسلاميين خارج تركيا رأياً آخر، مع اعترافهم بأخطاء ارتكبها أردوغان، يفيد أن غالبية الشعب التركي قد تستمر في تفويضه وحزبه حكم البلاد. ويستندون في ذلك الى اعتبار "حزب العدالة والتنمية" محافظاً وليس إسلامياً بالمعنى المعروف عند العرب وغالبية المسلمين، ومتمسكاً بالديموقراطية والعلمانية التي كانت في اساس قيام الدولة. وذلك يجعل شعبيته تشمل، إلى المسلمين الإسلاميين، أتراكاً ليبيراليين وعلمانيين. الى ذلك يعتقد هؤلاء أن شخصية أوغلو، وخصوصاً إذا عجز أردوغان عن تعديل الدستور لمصلحة الرئاسة على حساب رئاسة الحكومة، ستساعد كثيراً في احتفاظ حزبهما بالغالبية الشعبية. ويرون أن الانتخابات التشريعية العام المقبل هي التي ستحدِّد مصير الإثنين والحزب.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم