الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

بيتنا اللبناني: "بيان رقم واحد"

عقل العويط
عقل العويط
A+ A-

"أحلم بلغةٍ، كلماتها، كالقبضات، تهشّم الأحناك"


(أميل سيوران)


أيها اللبنانيون؛ هذه ليست دعوة إلى العنف الجسدي. ولا إلى أيّ نوعٍ من أنواع العنف. إنها تعبيرٌ استفزازيّ غاضب، لكنْ سلميّ فحسب، عن الشعور الموضوعي بعدم جدوى لغة التبصر والحكمة والمخاطبة العقلانية، التي وحدها تلجم النزول الوجودي اللبناني إلى الهاوية.
لسنا على شفا هذا الهاوية، بل على مقربة من القعر. بل ربما في قعر القعر، حيث لا خلاص، وتالياً لا مفرّ من الاهتراء والتعفنّ وإشهار وثيقة الوفاة.
الطبقة السياسية؛ بمَن فيها على وجه التخصيص، هؤلاء الذين يضعون أيديهم بقوة السلاح والترهيب العقلي على انتظام الحياة السياسية في حدودها الدنيا، وأهل الغلبة وغلاة الملتهمين والاستئثاريين، فضلاً عن أهل السمسرة والنهب؛ هذه الطبقة اللعينة والملعونة، تأخذ بلادنا إلى الجدار المسدود، وليس من أحدٍ فينا، يقف في وجهها أو يفعل شيئاً يضع حداً لجنونها الهستيري ولتكالبها على السلطة.
ندائي إلى اللبنانيين هو الآتي: فكّوا الارتباط مع هذه الطبقة السياسية برمتها، ولا استثناء، وخصوصاً مع هؤلاء الذين يقودونكم إلى الجحيم.
قولوا للحكومة أن تعلن حال الطوارئ... المدنية. أن تعلن عصيانها المدني في وجه الأمر الواقع هذا؛ في وجه هذا الخطر الوجودي والكياني.
قولوا لها أن تشترط انتخاب رئيسٍ للجمهورية قبل القيام بأيّ عمل آخر.
لا تسمحوا لنوّابكم بالتمديد، مرةً ثانيةً، لمجلسهم الممدّد له. لا تسمحوا بانتخاب رئيسٍ للمجلس.
أيها اللبنانيون، موقفي واضح لا لبس فيه.
ثمة مَن لا يريد للبنان أن يبقى وفق مقتضياته التكوينية والتاريخية والحضارية التي أتاحت له بمشقةٍ تاريخية بالغة الصعوبة، خلال خمسيناته وستيناته وبعض سبعيناته، أن يكون مختبراً متواضعاً للحداثة وللحياة وللحرية في هذا المستنقع الشرقي الغارق في الاستبداد والوالغ فيه.
لقد فعلتم حرباً، وأكثر. أهدرتم دماء وأحلاماً لا يمكن تعويضها. وعندما توصلتم إلى اتفاق، لم تتمكنوا من تنفيذه في حدوده الدنيا.
لا تتورّطوا في حروبٍ أخرى. لا تهدروا ما بقي من دماء وأحلام.
لا تدخلوا في مساومات صغيرة. ولا كبيرة.
لبنان هو الموضوع. فإما أن يبقى، وإما أن يزول.
لهذا السبب بالذات، أستعين بعبارة أميل سيوران "العنفية" أعلاه، لا لأني أدعو إلى العنف، بل لأن أساليبنا اللغوية الرخوة، المستخدَمة في الفكر والثقافة والإعلام والأدب السياسي، وفي النضال السياسي، والوجودي، ليست على مستوى الأخطار الوجودية المحدقة بلبنان.
صدِّقوني، أنا الكاتب المتواضع الفهم في السياسة؛ لبنان وجودُه في خطر.
وعليه، لم يعد مسموحاً للواحد منا بأن يبقى محض "كاتب" أو "موظف"، ولا محض "مفكر" أو "باحث"، أو "تنويري" أو "إعلامي" أو "ليبيرالي" أو "يساري" أو "تقدمي" أو "مدني" او "علماني" أو "ديموقراطي". لم تعد تجدي هذه الصفات الفضفاضة. لبنان في خطر، فإما أن ننجده بالكلمات التي "تهشّم الأحناك"، وإما على البيت اللبناني السلام.
ما أدعو إليه ليس صعب التحقق. وهو ليس مستحيلاً. فلتعلن الحكومة عصيانها السياسي، المدني، ايجابياً.
فلتأمر قواها العسكرية بأن تأتي بالنواب من بيوتهم وعطلاتهم وبأن "تزربهم" في مجلسهم الكريم، وبأن تحمل هذا المجلس على أن يكون "سيّد نفسه"، فينتخب رئيساً للجمهورية، صاحب قامة أخلاقية وإنسانية وثقافية مطلقة.
وليعلن أهل الحلم النبلاء، المذكورون أعلاه، نوعاً من العصيان المدني النبيل، وليقرّروا أن ينذروا الكلمات من أجل تحقيق هذا الحلم؛ الحلم بـ"لغةٍ، كالقبضات، تهشّم الأحناك"، وتفتح كوّة في الحائط المسدود.
أيها اللبنانيون؛ اتركوا أحزابكم، اتركوا تياراتكم، كتلكم النيابية، طوائفكم، مذاهبكم، عائلاتكم، عشائركم، قبائلكم، حساباتكم، ومصالحكم الصغيرة والكبيرة.
يأتي يومٌ، وهو قريبٌ، بل هو الآن تقريباً، لا يعود ينفع فيه أيّ احتماء وأيّ انتماء.
صدِّقوني، لن يبقى هذا اللبنان السياسي (وإن المتواضع جداً والسيئ جداً) الذي تعرفونه. لن يبقى أيّ شيء يذكّر به. سيكون عما قريب دولةً فاشلة؛ مارقة؛ غير قابلة للحياة. وستأتي الأمم المتحدة، ومَن يحرّكها، ويحرّك الخرائط، ويغيّر الأقدار والمصائر في كواليسها الخسيسة، وسيجعل بلدكم أثراً بعد عين.
لم أكن يوماً مغشوشاً بهذا اللبنان السياسي، وبتجربة طوائفه وأحزابه وجماعاته السياسية. لم أعتبره يوماً بلداً مثالياً. لكنه بيتنا، وكان ليكون مشروعاً موضوعياً يمكن "استثماره" ليصير بلداً مرتجى. لم نستطع أن نفعل ذلك. ولا الذين سبقونا في الحلم، استطاعوا أن يفعلوا أكثر مما فعلوا. حسناً. الآن، ها هو يؤخذ إلى الهاوية علناً، وعلى مرأى منا جميعاً. فماذا ننتظر؟!
شغِّلوا عقولكم قليلاً جداً، وانظروا كيف تتعامل الولايات المتحدة، وفرنسا، وأوروبا كلها، وروسيا، والصين، والعالم "الحرّ" جميعه، مع مأساة الشعبين السوري والعراقي، مع الثوّار الحقيقيين، مع مسيحيي العراق، مع مسيحيي سوريا، مع الإيزيديين، مع الزرادشتيين، مع الكرد، مع الشبك، مع الآشوريين، مع المندائيين، ومع فلسطين خصوصاً، تعرفوا ماذا ينتظركم في لبنان.
سنكون خونةً إذا لم نفعل شيئاً يزلزل الأرض من تحت أقدام هذه الطبقة السياسية الملعونة واللعينة.
لهذا السبب، أستعين بعبارة أميل سيوران.
فلنحطّم أحناكهم (معنوياً). فلنهشّمها. ولننتزع لبنان من بين أنيابهم.
أيها النبلاء، أيها الكتّاب، أيها الإعلاميون، أيها المفكرون المثقفون التنويريون، أيها المدنيون العلمانيون اليساريون الديموقراطيون الليبيراليون؛ أعلنوا عصيانكم المدني داخل اللغة، وباللغة. واجعلوها لغةً كالقبضات تحطمّ كراسي هؤلاء وأحناكهم.
إفعلوا شيئاً، الآن، فوراً، وللتوّ.
لبنان نازلٌ نزولاً تراجيدياً "حرّاً" chute libre إلى الهاوية. أوقفوا هذا النزول. بأيّ ثمن. فوراً!
هذا "بيانٌ رقم واحد" من أجل بيتنا اللبناني فحسب؛ أُعلنه بمثابة "أمر اليوم"، من دون أن يستشعر أحدٌ في ذلك مدعاةً لدغدغة أحلام "غير مدنية". اقرأوا هذا "البيان رقم واحد"، فقط، على طريقة مَن يحلم باللغة التي كلماتها، كالقبضات، تهشّم حنك هذا الأمر الواقع اللبناني، بما ينطوي عليه من أخطارٍ محدقة، ليس أقلّها الخطر الكياني الوجودي. إنه حلمٌ، رجائي أن يتحقق بالكلمات، لئلاّ تتهاوى الركائز التي يقوم عليها البيت اللبناني الماثل رمزُه في اللوحة، لوحة زينة عاصي، فيقع في الهاوية!


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم