الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

أربعة نداءات ضرورية وعاجلة

عقل العويط
عقل العويط
A+ A-

فلسطين تُستباح. المسيحيون الشرقيون يُقتَلعون من الأرض الأولى تحت عين الصمت المريبة. بلاد الرافدين تتفكَّك. وثمّة مَن يعلن فيها "دولة الخلافة". بلاد الشام تصير أكثر فأكثر أرضاً للمقابر الجماعية والأحلام المضرّجة، حيث لا تُسمَع إلاّ تنهدات الذهول والعويل والرثاء. لبنان الذي كان وعداً شرقياً بالفردوس الأرضي، لم يعد غابةً للبخور واللبان، بعدما أصبح على أيدي ناهشيه والكثير من قادته السياسيين والدينيين، وزمر مذاهبه وطوائفه وقبائله، مقرّاً للعنة السوداء. تقرأون في ما يأتي، أربعة نداءات ضرورية عاجلة، مكتوبة بحبرٍ مدني، علماني، ربما تحتاج دلالاتها وأبعادها منكم إلى أن تأخذوها بالكثير من العقلانية والتبصر والشجاعة.


نداء إلى مسيحيي الشرق
أنتم مسيحيون مقيمون في الأرض الشرقية لأنكم أبناؤها، ولأنكم أصحاب رسالة فيها. فأن تكونوا أبناء هذه الأرض؛ هذا يعني أن تتركوا كل شيء وتتبعوا رسالة المسيح فيها، التي هي جلجلةٌ وشهادة. كلّ مَن هو دون هذه المهمة ممّن يُسَمَّون مسيحيين، يمكنه أن يتخلّى؛ ولا عيب. ويمكنه أن ينأى عن الصليب؛ ولا ضير. لكنه يكون قد قرّر أن يصير أيّ كائنٍ آخر؛ ولا مهانة. بل هو يكون في حريته المطلقة.
أن تكونوا مسيحيين مقيمين في الأرض الشرقية، يستلزم بالضرورة أن تكونوا جسد المسيح. ينالكم ما ناله، ويصيبكم ما أصابه. بالدعوة. بالموت. وبالقيامة.
لا مجال لأيّ تأويلٍ ماكرٍ أو مضادّ. فالذين منكم لا يستطيعون، عليهم بالضرورة، أن يبحثوا عن كلّ واقعٍ ممكن آخر، وعن كلّ مصير. قد يكون الثمن رضوخاً. أو نزوحاً. أو هجرةً. أو تقيةً. فافعلوا ما تستطيعون. ما تشاؤون. وما ترغبون.
أن تكونوا مسيحيين مقيمين في الأرض الشرقية؛ إنها لمسؤولية عظمى، ينوء تحتها الكثيرون. فأن تنوؤوا، فذاك من صميم الطبع البشري. لكنكم مسيحيون. فيجب، والحال هذه، أن يكون كلٌّ منكم مسيحاً، كالمسيح الذي كان على الصليب. مع وعد بالخلاص والقيامة.
ليس من أنصاف حلولٍ في هذه المسألة. الصليب مندرجٌ في جوهر اللاهوت. وفي صلب العقيدة.
أنتم مسيحيون مقيمون في الأرض الشرقية، لأنكم أصحاب أرضٍ ورسالة. وليس لأنكم أكثرية أو أقلية. وليس لأن دولةً تحميكم. أو لأن نظاماً يرعاكم. أو لأنكم تنتظمون في العهدة الذمية المريعة.
هذا قَدَرٌ. وهو خيارٌ روحي وعقلي في الآن نفسه. ولا أنصاف حلول.
ليس من رفاهٍ أرضيّ مع المسيح. وليس من ملكوتٍ ها هنا.
مَن استطاع منكم أن يحمل صليبه، هنا، والآن، فليحملْه. ومَن لا، فليبحثْ عن حلّ دنيويّ آخر.
هذا هو ندائي إليكم، يا مسيحيي الأرض الشرقية؛ خصوصاً منكم المعذَّبين والمضطهَدين؛ أحضّكم فيه على البقاء في الأرض، والشهادة للمسيح. مَن له أذنان سامعتان منكم، فليسمع.
* * * 


نداء إلى المسلمين
ماذا تفعلون بدينكم؛ بأهلكم؛ بفلسطينكم؛ وببلاد العرب؛ أيها الناس؟ أأنتم صمٌّ؟ بكمٌ؟ عميٌ؟ أم هل أقول: تبّاً لكم لأنكم تسمعون، وتتكلمون، وترون، كأن شيئاً لم يكن ولا يكون!؟
أنتم، يا أبناء الدعوة المحمدية الكريمة؛ ها تمشون، صاغرين، كالأغنام، كالمرضى المنوَّمين، وراء الرعاع والأفّاقين وقطّاع الطرق والكفّار والملحدين من بينكم، فتقيمونهم ملوكاً وأمراء وخلفاء عليكم.
أنتم، بهذا، إلى جهنمّ. فهل أقول: بئسَ (بل نعمَ) المصير؟!
أمامكم الآن؛ بقادتكم السياسيين؛ وأخصّ السعوديين والمصريين والأتراك والإيرانيين؛ ببسطائكم؛ برؤساء الدين فيكم؛ وأخصّ مفتي الأزهر، ومفتي الديار السعودية، والإمام الخامنئي؛ مهمةٌ واحدة وحيدة: لا أن تنقذوا مسيحيي الشرق (حاشا. والبتة. وأبداً!)، بل فقط أن تنقذوا دعوة محمد من براثن هؤلاء الظلاميين، وأظفارهم، وأسنانهم!
عيبٌ عليكم، يا مَن تدّعون الإسلام الحنيف، أن يتعرّض الإسلام للنهب والتشويه تحت أيديكم وأنظاركم، وأن يكون مصيره رهينةً بين أنياب هؤلاء.
عيبٌ عليكم أن يكون الإسلام في خطر.
عيبٌ عليكم أن تتركوا محمّداً، نبيّكم، وحيداً في هذه المحنة الوجودية والدينية الرهيبة.
أنتم؛ بقادتكم السياسيين؛ ببسطائكم؛ وبرؤساء الدين فيكم؛ تتحملون العار كلّه. والمسؤولية الكاملة. والمطلقة. من صغيركم. إلى الكبير.
جريمتكم لا تُغتفَر. أما حسابها للمؤمنين منكم وللكفّار على السواء، فالنار التي لا تنطفئ. تلتهم أجسادكم ونفوسكم. وأجساد أولادكم. وأولاد أولادكم، والنفوس.
يا ويلكم من أسى محمّد، ومن غضبه! فسيرسل إليكم من حيث هو، باسم ربّه الأكرم الذي علّم بالقلم، سيرسل الطير الأبابيل لتضربكم لا لتحميكم. ونعمَ الغضب والمصير.
لقد تأخرتم كثيراً، أيها الناس. فلا تتأخروا أكثر.
أتريدون آيةً تحضّ كباركم والصغار، أهل "الخلافة" وأهل "الولي الفقيه"، سنّتكم والشيعة، المؤمنين الطيّبين، المتنوّرين، والعقلانيين، على النهوض من الكارثة المحدقة بالإسلام والمسلمين، و... بفلسطين؟
خذوا هذه الآية إذاً، مقطوفةً من سورة الشورى في الكتاب العزيز: "إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحقّ أولئك لهم عذاب أليم".
وإذا لم تتعظوا، فخذوا الثانية مقطوفةً من سورة النساء: "إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقاً إلا طريق جهنم خالدين فيها أبداً وكان ذلك على الله يسيراً".
* * * 


نداء إلى "حزب الله"
عد، الآن، وأتباعكَ، إلى الجمهورية اللبنانية.


* * *


نداء إلى العلمانيين والمثقفين العرب
أما نحن العلمانيين والمثقفين العرب فقد لا نكون نساوي عملياً الشيء الجليل. بل ربما أثبتنا أننا أصفارٌ في الأرقام، لكن على الشمال.
الأكيد أننا في غالبيتنا "ظاهرة صوتية"، "كتّيرون حكي"، وأصحاب شعارات جوفاء. لا أكثر.
الأكيد أن غالبيتنا – ولا تعميم - تبيع وتشتري وتقبض. ومَن لا يفعل هذا، يسكت. أو يغضّ.
قلائل منا يشعرون بالموت المعنوي المهين، من جرّاء ما هي عليه أحوال هذه العروبة التي يُفترَض أن تكون مدنية، علمانية، ديموقراطية. لكنها بكلّ أبهة واعتزاز، عروبة إسلاموية، ديكتاتورية، استبدادية، ظلامية، مسكينة، مهيضة، وسخيفة.
هل يتجاسر أحدٌ من غالبيتنا الأقلوية هذه، أن ينظر بعد الآن في عينَي طه حسين؟! أو في عينَي جبران؟
وإذا من استحقاق، فنحن نستحقّ أن نُطمَر تحت التراب، خجلاً ومهانةً.
فما أتعسنا. وما أبشعنا!
لقد كتبتُ قبل أسبوعين، ما مفاده أن لا حلول للمنطقة العربية سوى هذه الحلول الثلاثة: إنهاء الاغتصاب الصهيوني لفلسطين (الأجدى أن أقول إنهاء الوجود الفلسطيني في فلسطين)، إقامة الدولة المدنية العلمانية (الأجدى أن أقول بدولة الخلافة الشنيعة هذه، المستتبة في بعض العراق والشام)، وسحب الإسلام من الشوارع (الأجدى أن أقول لم يعد فينا إسلامٌ ولا مسلمون).
أخاطب مَن فيه حكمةٌ ودمٌ وحياءٌ وكبرياء وكرامة: يجب أن نضع حدّاً لما يجري. يجب أن نخترع شيئاً جنونياً. يجب على الفور أن نخترع هذا الشيء!
قد لا نملك في أيدينا حلولاً سياسية. لكنْ، فلنحمل جميعنا الحجار، حجار الكلمات (ولِمَ لا الحجار والصخور)، ولنرشق بها بيوت الرؤساء والملوك والأمراء والشيوخ والقادة السياسيين وقادة الجيوش ومسؤولي الدين. ولنفعل ذلك ليلاً ونهاراً. صبحاً وعشيةً. ولنقضّ مضاجعهم. ولننتهك أحلامهم. ولندنّسها. ولنفعل ما لا يُفعَل. إلى أن تتزلزل عقولهم وأفئدتهم. وكذا أقول عن الأرض التي من تحت أقدامهم.
يجب أن ندركب الجبال على رؤوس هؤلاء جميعاً. وفوراً.
ولنغمس حبرنا جميعه بالمرّ والعلقم. بل بالسمّ الزعاف. ولنحقن به رؤوس هؤلاء، من قادة الدين والدنيا. إلى أن تشفى. وتنتفض. أو تنفجر.
أيها العلمانيون والمثقفون: لا مفرّ من عملٍ جنوني يضع حدّاً لهذه الكارثة. لا مفرّ!
* في العدد الفائت من "الملحق"، وقعتُ في خطأ طباعي رهيب، حين استخدمتُ كلمة "الحلاّج" بدل "الحجّاج"، وكلمة "الحلاّجين" بدل "الحجّاجين". هاكم الجملة المصحّحة: "لكنْ، مرةً ثانيةً أنبّهك (أيها الديك). فإيّاكَ ثمّ إيّاكَ: لا تأخذنّ صالحاً بجريرة طالح. ولا تفعلنّ على غرار الإله القاتل، ولا الحجّاج القديم، ولا على غرار الحجّاجين الجدد هؤلاء". وقد اقتضى التصويب، والاعتذار من سيّدي الحلاّج، ومن القارئ، على السواء.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم