الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

ظاهرة التنجيم على الشاشات: فضيحة إعلاميّة اجتماعيّة

المصدر: "النهار"
فيفيان عقيقي
A+ A-

"كذب المنجّمون ولو صدقوا" من نوستراداموس فرنسا إلى نوستراداموسات لبنان. مقولة قديمة من المفترض أن يتعظ بها الناس، لكن الاتكال على المنجّمين والمبرّجين يستحوذ على اهتمامهم، فتكثر هذه البرامج التي تستقبل هؤلاء لتقديم توقّعاتهم للمرحلة المقبلة، فيما المشاهد يأخذ بها ويعدّل حياته وفقًا لها.


إنّها قصّة واقعيّة من صلب الحياة اليوميّة للمواطن اللبناني. كثيرون يستيقظون صباحًا فيطالعون أو يسمعون الأبراج، يتسمّرون أمام التلفزيون لسماع توقّعات المنجّمين، يتفاعلون معها ويتصلون ويشاركون أملًا بالحصول على الجواب الشافي المطمئن. لكن الأنكى أنّ محطّات التلفزيون اللبنانيّة تتنافس على استقبالهم وتخصّص لهم فقرات ضمن البرامج الصباحيّة أو برامج مسائيّة دوريّة يقدّمون خلالها توقّعاتهم فيحذرون من اغتيالات وأزمات سياسيّة وأخرى اقتصاديّة وأمنيّة تتربّص بلبنان.


لا شكّ في أنّ للتنجيم وتوقّع المستقبل جولات تاريخيّة، بدايتهما تعود إلى نشأة الحضارة الإنسانيّة، مع رصد مواقع النجوم والكواكب لطمأنة الإنسان القلق دائمًا على مستقبله، لكن مع بروز الأديان السماويّة والإيمان بالله الواح دتراجعت هذه الظاهرة، وخصوصًا مع تطوّر العلم والاكتشافات العلميّة التي دحضت كلّ نظريات التنجيم السابقة. لكن على الرغم من تطوّر الإنسان والعادات والعلم، إلّا أنّ التنجيم مازال يحتلّ مرتبة مهمّة في حياة الفرد، وفي الإعلام الذي يسلّط الضوء عليه ويوليه اهتمامًا أكبر من حجمه.


تحايل على القانون
إلى ذلك، يشير المحامي، جوزف جلخ، لـ"النهار" إلى أنّ قانون العقوبات اللبناني في المادة 768 التي عدّلت بموجب القانون رقم 239 عام 1993، يعاقب بالتوقيف التكديري وبالغرامة من عشرة آلاف إلى عشرين ألف ليرة من يتعاطى بقصد الربح مناجاة الأرواح والتنويم المغنطيسي والتنجيم وقراءة الكفّ وقراءة ورق اللعب وكلّ ما له علاقة بعلم الغيب وتصادر الألبسة والعدد المستعملة. ويعاقب المكرّر بالحبس حتى ستة أشهر وبالغرامة حتى المئتي ألف ليرة لبنانيّة. ويمكن ترحيله إذا كان أجنبيًا.


ويضيف : "هذه الممارسات ممنوعة لأنّها تُعتبر أيضًا نوعًا من الاحتيال والغشّ بحسب المادة 655 من قانون العقوبات، التي يشير البند الثاني منها إلى أنّ تلفيق أكذوبة يصدّقها المجني عليه نتيجة تأييد شخص ثالث ولو عن حسن نية أو نتيجة ظرف مهّد له المجرم أو ظرف استفاد منه".


ويشرح : "القانون إذًا يعاقب من يمارس هذه الأعمال إذا كانت بقصد الربح وجني منفعة من طريق الاحتيال، وبالتالي في حال لم يثبت ذلك لا يمكن القانون أن يطاله، وخصوصًا أولئك الذين يطلّون على الشاشات في مقابلات يعرضون خلالها توقّعاتهم وتحليلاتهم".


الممارسات الإعلاميّة: فضيحة
وعن المسؤوليّة الملقاة على عاتق وسائل الإعلام اللبنانيّة التي تروّج للمنجمّين ومطلقي التوقّعات، وتخصّص لهم مساحات من البث، يقول عميد كليّة الإعلام في الجامعة اللبنانيّة، الدكتور جورج صدقة، لـ"النهار" أنّ ما يحصل على الشاشات يشكّل فضيحة كبيرة، ويضيف : "إذا قيّم هذا الأداء من الإعلام الغربي لقيل أنّنا شعب مجنون، لأنّ ما يحصل هو استهزاء وسخرية بعقول الناس، خصوصًا أنهم يعطون صدقيّة ويسوّقون للمنجمين مستغلين طيبة الناس وسذاجتهم أحيانًا. أين الصدقيّة عند تقديم توقّعات مستقبلية استنادًا إلى تاريخ الميلاد والبرج وغيرها ... ".


وفي مقارنة بين أداء الإعلام الغربي واللبناني يقول : "هناك حادثة تبيّن الفرق، في فرنسا استضاف إعلامي أحد المنجّمين في برنامجه، فتحرّك القضاء وأوقف برنامجه لمدّة سنة باعتبار أنّه يستغلّ الناس. فهذه جريمة في حقّ المشاهد".


الربح المادي
وعن الفائدة التي يحقّقها الإعلام من خلال عرض هذا المحتوى الذي لا يقدّم معلومة مفيدة يمكن البناء عليها، يقول صدقة: "هناك إفادة ماديّة، وبحسب معلوماتي المستقاة من إحدى الوسائل الإعلاميّة التي تخصّص مساحاتها لهم، أنّ المنجّم يدفع أموالًا مقابل مساحة الوقت التي يطلّ خلالها".


ويضيف : "أخلاقيّات المهنة تحتّم على الصحافي والإعلامي احترام المشاهد وعدم استغلال بساطته وطيبة قلبه. المؤسّسات الإعلاميّة اللبنانيّة لم تضع أي شرعة أخلاقيّة لتنظيم عملها، بل همّها الوحيد جني الأرباح، فهي تجني أموالًا من المنجّم، وتستقطب مشاهدين وتحقّق مردودًا إضافيًا كبيرًا من الإعلانات. هذه المؤسّسات تتخطّى كلّ الأخلاقيّات وتسيء لصورة الإعلام اللبناني وترتكب جرائم بحقّ الشعب اللبناني، مبتعدة عن رسالتها الحقيقيّة".


المحاسبة غائبة
ويشير صدقة إلى أنّ المجلس الوطني للإعلام دان هذه الممارسات، لكن الإدانة بقيت شفهيّة لأنّ لا سلطة تنفيذيّة لديه، والسلطات لا تأخذ بالتحذيرات التي أطلقها. بينما النقابات الإعلاميّة يمكنها إرسال الإنذارات وإحالة المخالفين على مجلس تأديبي ولكنّها غائبة. هناك صمت حيال هذه الممارسات وغياب لأي سلطة رادعة توقف هذه البرامج في شكل نهائي.


الأديان تتفق: التنجيم بدعة
تتفق الأديان على اعتبار هذه الممارسات بدعة تنخر في المجتمع، ويوصي رجال الدين المؤمنين على التمسّك بجوهر الدين. ويقول الكاهن فاروق زغيب لـ"النهار": "موقف الكنيسة واضح من هذه الممارسات، فهي لا تعترف بهؤلاء المتوقعين والمنجمين، لأنّ الدين المسيحي لا يعترف بقدرة أحد على توقع المستقبل. النبؤة مرتبطة بالله ولها تفسير واضح، إنّها رؤيا من الله يراها إنسان ما، فيبشّر بإرادة الله وكلمتها، النبؤة ليست عمليّة قراءة أحداث دنيويّة وعالميّة. الكنيسة والمسيحيّة لا تعتقدان ولا تصدّقان إلّا ما هو نابع من الله وموجود في الكتاب المقدّس".


ويوافقه الشيخ بلال محمد الملّا رأيه، ويقول لـ"النهار" : "التنجيم وارد في حديث نبوي ومفاده من أتى ساحرًا أو كاهنًا أو عرّافًا فصدّقه بمال قال فقد كفر بما أنزل على محمد. من هنا تبرز خطورة وفداحة من لديه استعداد للركون والوثوق بالمنجّمين، لأنّهم يستغلونه ماديًا وأحيانًا جنسيًا".


علاقات مع أجهزة
ويشير الشيخ الملّا إلى أنّ المنجمين يتكلّمون بالعموميّات، يطالعون الصحف يوميًا ويحلّلون. ويضيف : "هم يأخذون مكان الله ويتجرأون على ملكه، هذا كفر وشرك بالله. من نراهم على الشاشات يطلقون توقّعاتهم يتحايلون على القانون ولا يسمّون أنفسهم منجّمين بل مطلقي توقّعات للتنصّل من أي عقاب قانوني، لكن الجرم واحد. هم يعملون مع أجهزة بهدف الاستحواذ على السياسيين والفنانين وابتزازهم".


ويضيف الكاهن زغيب قائلًا: "لا يختلف مطلقو التوقعات عن المنجّمين أو المبصرين. إنهم يقرأون الصحف ويتابعون الأخبار ويقدّمون تحليلاتهم التي غالباً ما تكون مبهمة وغير واضحة وسطحيّة. المطلوب من الإنسان المؤمن أن يعي هذه الأمور وأن يدرك أن النبؤة الحقيقيّة مرتبطة بإنسانيّة وروحيّة الإنسان ونابعة من الكتاب المقدّس".


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم