الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

إسرائيل والفلسطينيون في حلقة مفرغة من الحروب

المصدر: (رويترز)
A+ A-

عندما أنهت إسرائيل احتلالها لقطاع غزة الذي دام 38 عاما بسحب المستوطنين في عام 2005، أشاد ارييل شارون الذي كان رئيسا للوزراء حينذاك بالانسحاب في اعتباره "فك ارتباط" من الصراع مع الفلسطينيين في القطاع الساحلي كثيف السكان.


لكن الصراع لم ينته وإنما تغير.
وواصلت إسرائيل توسيع المستوطنات في الضفة الغربية حيث يريد الفلسطينيون إقامة دولتهم عليها أيضا. وسيطرت حركة المقاومة الإسلامية ("حماس") على غزة في عام 2007 وثبت عقم جهود الوساطة الأميركية من أجل التوصل إلى سلام دائم بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية التي يقودها الرئيس محمود عباس.
وترعرعت المواجهة في ظل الفراغ الديبلوماسي.
وفرضت إسرائيل حصارا اقتصاديا خانقا على القطاع وأطلقت "حماس" والفصائل المسلحة الأخرى الصواريخ على اسرائيل بوتيرة ومدي يتزايدان على رغم أنها لا تصيب أهدافها بدقة.
وقصفت إسرائيل بدورها غزة مرات لا تحصى من الجو والبحر، وأرسلت طوابير من المصفحات في مناسبات عدة للبحث عن بطاريات الصواريخ وعن الأنفاق التي تستخدم لتهريب الأسلحة من مصر أو لتسلل الفصائل المسلحة لإسرائيل وتدميرها.
وأدت اتفاقات وقف إطلاق النار التي تم التوصل إليها عبر وسطاء والتي سحبت إسرائيل بموجبها قواتها، وتراجع إطلاق الصواريخ إلى فترات من الهدوء النسبي ليعود الجانبان بعدها إلى جولات من إراقة الدماء.
وتغلبت إدارة الصراع على صنع السلام.
والتوغل الإسرائيلي الحالي في غزة تكرار للعمليات السابقة منذ عام 2007، إذ تسعى إسرائيل من خلاله إلى شل قدرات "حماس" الصاروخية وخطر الأنفاق قبل أن تدفع الانتقادات الغربية المتزايدة بسبب عدد القتلى الآخذ في الارتفاع في صفوف المدنيين الفلسطينيين إسرائيل إلى سحب قواتها.
وقتل مالا يقل عن 1427 فلسطينيا معظمهم مدنيون في ثلاثة أسابيع في المناطق الحضرية المكتظة التي تضررت من الهجمات الجوية والقصف الإسرائيليين. وحجم الدمار الذي لحق بالمنازل والبنية التحتية الفلسطينية أكبر من العمليات السابقة.
وقتل 56 جنديا إسرائيليا في العمليات وثلاثة مدنيين أصابتهم الصواريخ التي أطلقت عبر الحدود مع غزة على إسرائيل.
وكما هو الحال في الحروب السابقة في غزة لم يكن هناك توازن في عدد القتلى ولا في حجم الدمار نظرا لتفوق إسرائيل الهائل في قوة النيران الأحدث ونظام القبة الحديدية للدفاع الصاروخي الذي أسقط معظم الصواريخ التي تستهدف مدنها.
لكن البيئة الاستراتيجية الأوسع تغيرت على نحو يزيد من صعوبة حث إسرائيل و"حماس" على وقف القتال.
وتشعر "حماس" بالقلق نظرا لخلافها مع سوريا وعلاقاتها الأكثر فتورا مع إيران والإطاحة بـ"الإخوان المسلمين" الذين يوفرون لها الرعاية في مصر. ورفضت إسرائيل الجهود الأمريكية لإحلال السلام وأصبحت علاقاتها مع واشنطن أكثر برودة عما كانت عليه لسنوات طويلة وتعهدت بمعركة طويلة إذا اقتضت الضرورة لتحييد عدوها في غزة.
وخلافا لحرب غزة في عامي 2008-2009 لم تكن هناك ضغوط دولية جدية لإنهاء العمليات الحربية تتجاوز الانتقادات الخفيفة واستنكار الأمم المتحدة. وأكدت الولايات المتحدة والدول الأوروبية الرئيسية "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها".
والقوى الكبرى منصرفة ومنقسمة بأزمات أخرى بسبب دور روسيا في أوكرانيا والتقدم المذهل للمسلحين الجهاديين في العراق وسوريا.
وتسود حال من الاستقطاب بين وسطاء من الشرق الأوسط في شأن كيفية منع المنطقة من الانزلاق إلى الفوضى في أعقاب انتفاضات "الربيع العربي" التي أطاحت بأنظمة استبدادية ظلت مستقرة لفترة طويلة.
وتعقدت المحادثات للتوصل إلى هدنة في غزة لأن إسرائيل والولايات المتحدة تدرجان "حماس" على قوائمهما للمنظمات الإرهابية بينما يختلف الوسطاء -مصر وقطر وتركيا- بشأن مساحة المناورة التي سيمنحونها للإسلاميين.
وفي الآتي مقارنة بين الحرب الحالية في غزة وبين حربين كبيرتين سابقتين اندلعتا منذ عام 2007.
*كانون الأول 2008 - كانون الثاني 2009
شنت إسرائبل هجمات جوية وأطلقت نيران المدفعية في 27 كانون الأول وغزت القطاع في الثالث من كانون الثاني بالدبابات والجنود في حرب أصبحت من أعنف الحروب من حيث القتلى والدمار منذ أن احتلت إسرائيل القطاع في حرب عام 1967.
والهدف المعلن هو منع الإسلاميين من إطلاق الصواريخ على إسرائيل وتدمير الأنفاق عبر الحدود التي يستخدمها النشطاء لتهريب الأسلحة من مصر ونصب مكامن داخل اسرائيل.
وبلغ عدد القتلى الفلسطينيين 1417 قتيلا أكثر من نصفهم مدنيون. وقتل 13 إسرائيليا منهم عشرة جنود.
واستهدفت القوات الإسرائيلية قواعد لـ"حماس" ومعسكرات تدريب ومقار أمنية. واستهدفت بنية تحتية مدنية تشمل مساجد ومنازل ومراكز طبية ومدارس بزعم أنها مخابئ للمسلحين. ووصلت دفعات من الصواريخ التي تطلقها "حماس" إلى مدى أبعد من ذي قبل وأصابت مدنا مثل بئر السبع وأسدود.
وأعلنت إسرائيل هدنة من جانب واحد في 17 كانون الثاني التزمت بها "حماس" والجهاد الإسلامي وفصائل مسلحة أصغر في اليوم التالي. وغادرت آخر دفعة من القوات الإسرائيلية غزة يوم 21 كانون الثاني. 
وأدعى الجانبان النصر. وتقلص إطلاق الصواريخ من غزة لكنه لم ينته. ومع هذا تضررت سمعة إسرائيل بشدة جراء الانتقادات واسعة النطاق للأعداد الكبيرة للقتلى والجرحى في صفوف المدنيين والأضرار الشديدة التي لحقت بالبنية التحتية لقطاع غزة.
واتهمت بعثة لتقصي الحقائق بقيادة القاضي من جنوب أفريقيا ريتشارد جولدستون كلا من إسرئيل والمسلحين في غزة بارتكاب جرائم حرب وربما جرائم ضد الإنسانية بسبب مزاعم عن استهداف مدنيين واستخدامهم كدروع بشرية.
ورفضت إسرائيل التعاون مع التحقيق ونددت بنتائجه في اعتبارها متحيزة ومعيبة.
*تشرين الثاني 2012
اجتاحت القوات الإسرائيلية قطاع غزة في 14 تشرين الثاني بعد اشتباكات متبادلة من بينها نصب كمين لدورية حدودية إسرائيلية ومقتل القائد العسكري لحركة "حماس" في هجوم جوي.
وقال تقرير لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إن 174 فلسطينيا قتلوا في المعارك التي استمرت ثلاثة أسابيع بينهم 107 مدنيين. وقتل ستة إسرائيليين بينهم أربعة مدنيين جراء إطلاق الصواريخ على بلدات قريبة من الحدود مع غزة.
وقال الجيش الإسرائيلي إنه أصاب أكثر من 1500 منصة لإطلاق الصواريخ ومستودعات الأسلحة ومقارا لحكومة "حماس" وأهدافا أخرى في غزة. وأطلقت "حماس" وحلفاؤها صواريخ على تل أبيب لتعرض المدينة الرئيسية في إسرائيل لهجوم جوي لأول مرة منذ عام 1991 عندما أطلق الرئيس العراقي الراحل صدام حسين صواريخ سكود عليها.
وقالت إسرائيل إن منظومة القبة الحديدية اعترضت أكثر من 400 صاروخ. وسقط الكثير من الصواريخ في مناطق غير مأهولة.
وتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في 21 تشرين الثاني بوساطة مصرية وأميركية. وادعى الجانبان مرة أخرى النصر. وقالت إسرائيل إنها شلت قدرة "حماس" على إطلاق الصواريخ فيما قالت حماس إن خيار إسرائيل غزو غزة انتهى.
*تموز 2014
بدأت حرب هذا العام بأحداث وقعت خارج غزة. وخطف ثلاثة طلاب في معهد ديني يهودي في الضفة الغربية المحتلة وعثر على جثثهم. وألقت إسرائيل بالمسؤولية على "حماس" واعتقلت مئات من المشتبه بهم. وخطف إسرائيليون فتى فلسطينيا للانتقام وقتلوه وأحرقوا جثته.
وخاض محتجون فلسطينيون معركة مع الشرطة الإسرائيلية في القدس والضفة الغربية وكثف مسلحو غزة إطلاق الصواريخ على إسرائيل لتبدأ الحرب.
وبدأت إسرائيل بقصف أهداف في غزة وشنت هجوما بريا بعد أسبوع عندما رفضت "حماس" وقف إطلاق الصواريخ.
وتسببت الهجمات البرية الإسرائيلية على مناطق سكنية -والتي يسبقها تحذيرات بالإخلاء- في تشريد أكثر من 200 ألف من سكان غزة وعددهم 1.8 مليون فلسطيني. وأصيبت إمدادات الكهرباء والمياه في القطاع بالشلل.
وثار جدل كما كان الحال من قبل في شأن القصف الإسرائيلي العشوائي الذي قتل عائلات بالكامل في بيوتهم وأصاب مدرستين تابعتين لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين (الأونروا) ليقتل عشرات الفلسطينيين في أماكن مخصصة كملاجئ.
وندد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بالمذبحة في المدرستين. وأبلغ مسؤولون بالأمم المتحدة عن وجود مخابئ للأسلحة في ثلاث مدارس أخرى تابعة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين.
وكما كان الحال في السابق قالت إسرائيل إن قواتها تبذل قصارى جهدها لتفادي سقوط قتلى وجرحى في صفوف المدنيين واتهمت "حماس" بتعريض المدنيين للأذى بالقتال وسطهم.
وطالبت الولايات المتحدة ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النيران للسماح للإغاثة الإنسانية والمحادثات حول وقف دائم للعمليات القتالية.
قال متحدث باسم البيت الأبيض أمس إن قصف إسرائيل منشأة تابعة للأمم المتحدة في قطاع غزة هذا الأسبوع "غير مقبول بالمرة ولا يمكن الدفاع عنه على الإطلاق" وإن إسرائيل في حاجة لفعل المزيد لحماية المدنيين الأبرياء.
لكن مسؤولين أمريكيين قالوا إن إدارة الرئيس باراك أوباما سمحت لإسرائيل بالحصول على قنابل وقذائف مورتر من مخزون أسلحة أميركي محلي على مدى الأسابيع الماضية.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمس إنه لن يقبل بأي هدنة تمنع إسرائيل من استكمال مهمة تدمير الأنفاق التي حفرها ناشطون فلسطينيون تحت الحدود بين غزة وإسرائيل.
ويضع كلا الطرفين شروطا للهدنة التوفيق بينها أصعب من الماضي. وتريد إسرائيل "نزع السلاح" من غزة على رغم أنه سيكون من الصعب فرضه من دون إعادة احتلال غير محدود الأجل للقطاع. وتطالب "حماس" برفع الحصار عن قطاع غزة وإطلاق سجناء محتجزين في الضفة الغربية.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم