الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

اكتئاب الأم بعد الولادة: تأثير خطير في الطفل

المصدر: "النهار"
كلودا طانيوس
A+ A-

في إصابة الأم بـ"اكتئاب ما بعد الولادة" معاناةٌ عميقة تؤثر سلباً في حياتها وفي حالتها النفسية ومزاجها، وعند تطرّق الدراسات لهذا النوع من الاكتئاب يتم التركيز على تداعياته على المرأة وأشكال معاناتها، وإغفال الطفل كمتأثرٍ أساسي أيضاً به. ففيما هو بأمسّ الحاجة إلى رعايتها وحنانها كي ينمو بطريقة سليمة، يرخي اكتئابها بثقله على علاقتها به، خصوصاً في حال عدم لجوئها للعلاج، فلا تكون العلاقة حميمة كما يتوجب عليها أن تكون.


 


 


رعاية "جافة"


لا تقوم الأم بحَمل طفلها بقَدر الأمهات الأخريات، فيفتقد للمساتها ولـ"حديثها" الموجه إليه. كما أن عملية إطعامه تتسم بالجفاف العاطفي، وإمكانية ملاعبته والغناء له كي ينام تكون شبه معدومة لدرجة أنها قد تشعر بكرهٍ ما له. أما عملية إرضاعه فتخف أو تنعدم بعد شهرين أو ثلاثة من الولادة، بحسب ما ذكرت الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال في توصيفها لعلاقة الأم بطفلها في حال إصابتها باكتئاب ما بعد الولادة.


 


يتأثر الطفل سلوكياً وفكرياً


الأم هي الوسيط الأول بين الطفل والعالم، وفي راحتها وتأقلمها مع العالم ومع الآخرين ومع نفسها، وفي ردّها الفوري على متطلبات طفلها وتجاوبها مع تصرفاته، راحة تلقائية له تخوّله التفاعل مع الناس واكتشاف محيطه بطريقة طبيعية، فيشعر بالأمان والطمأنينة، خلافاً للطفل ذات الأم الكئيبة التي تشعر بـ"غربة" عن عالمها وتعاني من قلقٍ داخلي، فتأمينها لحاجاته لا يأتي بطريقة بديهية ويكون متأخراً، ما يجعله أكثر خوفاً وأقل انفتاحاً.


بما أن علاقة الطفل بأمه منذ ولادته تشكّل أساس علاقته المستقبلية بالعالم من حوله وتؤثر في نموه في المجتمع، تظهر تداعيات اكتئاب والدته ما بعد الولادة في مشاركته الاجتماعية عندما يكبر، إذ بينت دراسة بريطانية منشورة في "مجلة علم نفس الطفل" و"طب النفس" أن أطفالاً بالغين من العمر 5 سنوات سبق وعانت أمهاتهم من اكتئاب ما بعد الولادة، واجهوا مشكلاتٍ سلوكية في المنزل وفي المدرسة أكثر من غيرهم. كذلك أشار الموقع الطبي الأميركي Medscape إلى أن هناك دلائل على أن الأطفال الأكبر سناً قد يكونون أقل ذكاءً في حال إصابة الأم بالاكتئاب المذكور.


ويذكر "الصندوق الوطني للولادة" - أكبر مؤسسة خيرية للأهل في المملكة المتحدة – أن اكتئاب ما بعد الولادة يُعتبَر عامل خطر على نمو الطفل المعرفي، فسلوك الأم يكون سلبياً تجاه الطفل، الذي بدوره يصبح أقل إيجابيةً من الأطفال الآخرين، وينقل عن دراسة أوسترالية قائمة على مقارنة بين 48 زوجاً متألفاً من أم مصابة باكتئاب ما بعد الولادة وطفلها من جهة و40 زوجاً متألفاً من أم سليمة وطفلها من جهةٍ أخرى، أن ارتباطاً تبيّن بين الاستجابة المتأخرة من الأم الكئيبة لطفلها وبين نموه البطيء، خصوصاً لناحية الزيادة في بكائه وهرجه، ومعدل ذكائه الأقل من غيره عند بلوغه السنتَين من العمر.


تتطرق المؤسسة أيضاً إلى كتاب Why Love Matters للمعالِجة النفسية الإنكليزية سو جيرهادت التي أنشأت الجمعية الخيرية "مشروع أوكسفورد الرئيسي للرّضّع"، ففيه توضح جيرهادت أن عدم استجابة الأم بطريقةٍ مناسِبة لحاجات طفلها قد يؤدي إلى زيادة في هرمون الكورتيزول عنده، الهرمون المتحكّم بالإجهاد، ما يخفف من قدرته على تحمل الأرق والإجهاد (Stress) عندما يكبر.


 


تداعيات عصبية خطيرة على المدى الطويل


خلال السنوات الثلاث الأولى من حياته، ينمّي الطفل ملايين الوصلات العصبية في الثانية الواحدة، حتى يسمح لدماغه أن يتطور بالطريقة التي تناسب بيئته. هذه القدرة على التكيف، التي تُسَمّى علمياً بـ"المرونة العصبية" (Neuroplasticity)، وهي التي تسمح له أن يتعلم المهارات الحركية واللغوية، تخف مع التقدم في العمر بما أن الاتصالات العصبية المستعملة تصبح رشيقة، فيما تلك المهمَلة تتقلص.


لكنها تجعله ضعيفاً متلقياً للقلق والإحباط والتوتر العاطفي الناجمة عن اكتئاب والدته، بما أن دماغه لا يزال طيّعاً. بالتالي، يتزايد خطر معاناة الأولاد ذوي الأم المصابة باكتئاب ما بعد الولادة، من مشكلات عاطفية وفكرية وسلوكية، بحسب كتاب "الأمومة والأبوة العلمية" (Scientific Parenting) الصادر في آب 2013.


وذهبت دراسة قامت بها وزارة الصحة الكندية في تشرين الأول 2013 أبعد من ذلك، إذ أشارت إلى أن هكذا عوارض قد لا تظهر إلا بعد سنوات، ذاكرةً أن الولدَ البالغ من العمر سنتَين ووالدته لا تزال تعاني من اكتئاب ما بعد الولادة عرضةٌ لأن يصاب بقلقٍ نفسي عند بلوغه عمر الحادية عشرة، متمثلٍ في نوبات غضب وبُعد عن والدَيه وشخصية عدوانية، ما قد يؤدي إلى تعاطيه المخدرات، الإدمان على الكحول وإصابته بقصور الانتباه وفرط الحركة (ADHD).


 


نسج العلاقة مع الطفل يجب أن يبدأ خلال الحمل


على الأم في هذه الحالة أن تستشير طبيباً نفسياً بما أنه لا يمكنها أن تتحكم بالواقع الجديد، خصوصاً أن معدل هرموناتها يخفّ جدّاً، هذا ما تنصح به المعالِجة النفسية أنيتا توتيكيان عبر "النهار". إذ تشير إلى أن "على الأم أن تنسج العلاقة مع طفلها خلال الحمل، فتؤسس لها وتتحضّر نفسياً لحياتها معه" معدّدةً ما يمكن لها أن تقوم به: "فتتحدث معه وكأنه قد وُلِد، وتُسمعه الموسيقى، وتغنّي له" – بما أن الجنين يسمع صوت أمه وهو في رحمها.


وتحثّ على أن تبتعد الأم عن التفكير بسلبية: "فهي ترى أنه ليس بإمكانها أن تكون جميلة أو أن تتمتع بحريتها، كما قد تعاني من تأثير الولادة في عملها وفي طموحاتها وتشعر بالذنب"، وتؤكد أن علاقة الطفل بأمه مهمة جدّاً بما أن أصعب تجربة للإنسان هي ساعة ولادته، "الساعة التي يحتاج فيها إلى التنفس والحرارة والغذاء والحنان، ولهذا تتعمد المستشفيات اليوم على وضعه قرب أمه بعد الولادة، فلم يعُد بعيداً منها في غرفة أخرى كما كان يحصل في السنوات السابقة، أي إن سريراً خاصاً به يوضع قربها" تشير توتيكيان.


وتدعو المرأة الحامل التي تشك بقدرتها على تحمّل ولادتها، والتي تشعر بعدم رغبتها في حملها، إلى أن تتحدث واختصاصي لمساعدتها على تجاوز حالتها، في خطوةٍ احترازية حتى لا تُصاب باكتئاب ما بعد الولادة، وترعى طفلها الجديد أفضل رعاية.


 


 [email protected] / Twitter: @claudatanios

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم