الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

صيحة الديك باعتبارها رمزاً قيامياً

عقل العويط
عقل العويط
A+ A-

أكتب هذا المقال من وحي ما لا يزال يجري في غزة وفلسطين كلها، على يد نظام الاغتصاب الصهيوني، وحلفائه المعلومين والمكتومين، في العالم العربي والإسلامي، وفي العالم. كما أكتبه من وحي ما يجري في شرقنا الأدنى، وفي كلٍّ من العراق وسوريا ولبنان تخصيصاً. لم يعد في حلوقنا صراخٌ يُسمَع، ولا على صفحاتنا حبرٌ يُقرأ. نحن الذين يجدر بنا أن نمارس كلّ الحريات الممكنة لكسر الدائرة المقفلة واختراق هذه الكارثة الوجودية، ألا يجدر بنا إطلاق صيحةٍ قيامية توقظ النيام والقتلى والأحرار، وتعلن بداية الفجر في هذا العالم العربي المثقل بلياليه وكوابيسه؟ خذوا هذا المقال بوصفه رسالةً إلى رمزية الديك الذي لا ينحني ولا يكفّ.


اعتبِرْها خدمةً. يأتي يومٌ أردّ لكَ فيه هذه الخدمة خدمتَين. بل أكثر. دَينكُ في عنقي. وفي عنق حِبري وذرّيتي وأحبابي.
لن أطلب منكَ شيئاً لا تستطيع أن تفعله. جلّ ما أطلبه منكَ هو أن تفعل ما تدعوكَ الطبيعة إلى فعله. لن أطلب منكَ أن تتنازل عن كرامة. ولا أن تهادن. ولا أن ترغم نفسكَ على إتيان شيء لا تستحبّ القيام به. مارِسْ عملكَ بشكلٍ طبيعي. بدل أن تأخذ إجازةً، على سبيل الراحة أو التكاسل، ضاعِفْ وقت العمل. بل اجعلْه دواماً متواصلاً. أعني ليلَ نهار. وإذا أتعبتكَ المداومة، نادِ على أشقائكَ وأبناء عمومتكَ والخؤولة، ليتولّوا المهمة في أوقات القيلولة والملل.
افعلْ دائماً. وبلؤم.
رجائي أن تكون متشاوفاً ومتكبّراً. وأن لا تحفل بأحد. وأن لا تعير أحداً انتباهكَ. اخدمْني هذه الخدمة. أترجّاك: كن مستفِزّاً. ومستفَزّاً. وكنْ ساخراً. ونزقاً. فاجِئْهم، حيث لا يتوقعون. وافعلْ دائماً كأنكَ تُمتَحَن. بل كأنكَ تفعل للمرة الأولى. أو لمرةٍ أخيرة. وعن المرّات كلّها. وجميعاً.
* * *
صحيحٌ أنكَ تمارس هذه المهنة منذ حصول أبيكَ الأول على هذا الامتياز؛ صحيحٌ أنكَ لم تُخِلّ يوماً بعهودكَ؛ صحيحٌ أنكَ تفعل ذلك باستمرار، ومن دون أن يطلب منكَ أحدٌ ذلك؛ صحيحٌ أنكَ لا تستطيع أن تتخلّى. ولا أن تستقيل. ولا أن تتعب. ولا أن تضجر. ولا أن تيأس؛ صحيحٌ أنكَ عندما ستغادر إلى الوقت الأخير، ستطلق شهقتكَ الأخيرة على شكل صيحةٍ قيامية؛ صحيحٌ هذا كلّه. وغيره؛ لكني أرجوكَ أن تعتبرها خدمةً خالصة. سجِّلْ أني مَدينٌ لكَ بها إلى الأبد. عهدي أن أحفظ الولاء لكَ. وأن أظلّ معكَ إلى منتهى الدهور.
* * *
هاكها: اذهبْ إلى المدن. إلى الدساكر. إلى القرى. إلى السرايات. إلى القصور. إلى الحصون. إلى المنازل المرفّهة. إلى موائد السماسرة. إلى الصالونات. إلى الغرف الكريهة. إلى الدهاليز السرّية. إلى الأنفاق. إلى الأحلام. إلى الكوابيس. إلى البيوت المغلقة. إلى الشبابيك البخيلة. إلى الضمائر المكلّسة. لا تتركْ مكاناً. ولا خيالاً. ولا فسحةً لظلّ أو لغيمة.
إذهبْ إلى حيث القتلة. إلى دولة بني صهيون المغتصِبة. إلى الحكّام والديكتاتوريين العرب، المهووسين بشبق الاستبداد والكراسي. إلى سرّاق الدين الجدد والقدماء. إلى ذبّاحي الألفة والأمان. إلى القادة. إلى الزعماء. إلى رؤساء الأحزاب. إلى أمراء السلاح. إلى الزمر. إلى الزعران. إلى الرؤساء. إلى الملوك. إلى الولاة. إلى النوّاب. إلى الوزراء. إلى أصحاب اللحى. إلى قبب الكنائس. إلى حنايا المآذن. إلى رؤوس العمارات الشاهقة. إلى الأقبية. إلى كلّ مكانٍ ممكنٍ وغير ممكن.
وهنا، وهناك، وهنالك، وحيث كلّ احتمالٍ محتمَل وغير محتمَل؛ مارِسْ غبطتكَ في الصياح اللئيم. شوِّشْ أفكارهم. ودسائسهم. ومؤامراتهم. وأقِضَّ مضاجعهم. واجعلْهم مُهستَرين. وليكنْ صياحكَ جارحاً. نافراً. حادّاً. ممضّاً. قاسياً. بارداً. مستلذّاً. لعيناً. مؤذياً. وليكنْ كعين هابيل التي تلاحق ضمير القاتل. وبلا هوادة.
لن أنسى لكَ فعلاً كهذا. ليس من أجلي. بل من أجل الحياة مطلقاً. وأيضاً من أجل البلاد. والعباد. ومن أجل هؤلاء الأطفال. والنساء. والفتيان. والفتيات. والعجّز. والفقراء. والمعدمين. والقتلى. والشعراء. والفنانين. واليائسين. في فلسطين. في سوريا. في العراق. في لبنان. ومن أجل كلّ مَن لا يزال قادراً على التعمشق ببقيةٍ من حلمٍ وأمل.
تنقَّلْ، بعنفوان، بأبّهة، وبشراسة؛ كما في هذه اللوحة النزقة المتألقة الأنيقة الأبيّة، لصديقي حسن جوني. واجعل صياحكَ صدّاحاً من فوق السطوح. وليمكرْ بقلوبهم وعقولهم. وليمزّق صياحكَ هذا، كلّ هدوءٍ مريب. وليجرح بكبريائه كلّ صمتٍ متواطئ. وليحزّ في مرايا الضمير حزّاً موجعاً. ومُهلِكاً.
رجاءً، لا تسكتْ على غاصبٍ يغصب. لا تتركْ قاتلاً يتلمّظ. لا تدعْ سارقاً يسرق. ولا مستبداً يستبدّ. ولا غاشماً يغشم. ولا تجعلْ وحوشاً كهؤلاء ينامون نوماً. رجاءً أرجوك: لا تجعلْهم ينامون البتّة!
واجعلْ مناماتهم كوابيس. ونهاراتهم ليالي مؤرقة. ولا تنسَ أسرّة وَرَثَتهم الدمويين. فهؤلاء – إيّاك أن تطمئنّ إليهم - على غرار والديهم يكونون. ولا تنسَ أن تزعق على مقربةٍ من أضرحة القتلة. أهلِكْهم صياحاً وترويعاً. وروِّعْهم. حتى لا يكون لمَن يأوي إليها مكانٌ معتمٌ يختبئون فيه من أهوال جرائمهم. وافعلْ ذلك على سبيل الانتقام الانتقام الانتقام. واجعلْ انتقامكَ لذةً، لا واجباً.
هل أراكَ تسألني متعجباً: أتريد الانتقام على غرار إله التوراة؟! فاعلمْ إذاً: لستُ جلاّداً. ولن أكون. لستُ مازوشياً. ولن أكون. أما هؤلاء فيجب أن ينالوا ما يستحقّونه من عذابٍ وتعذيب. فليكن انتقامكَ، والحال هذه، هادفاً. وعادلاً. وقاسياً. ودائماً. ولا تأخذنّكَ رأفةٌ بقاتل. ولا بمجرم. ولا بمهدِّمِ بيوت. ولا بمشلِّعِ أوطان. ولا بناهبِ أرزاق. ولا بمشرِّد شعوبٍ وعائلات وأفراد.
لكنْ، مرةً ثانيةً أنبّهك. فإيّاكَ ثمّ إيّاكَ: لا تأخذنّ صالحاً بجريرة طالح. ولا تفعلنّ على غرار الإله القاتل، ولا الحلاّج القديم، ولا على غرار الحلاّجين الجدد هؤلاء. فليتبلبلْ هؤلاء فحسب. وليتفرّقوا على صياحكَ أيدي سبأ.
وافعلْ ذلك. ثمّ أيضاً. وأيضاً. إلى أن ينتهي العذاب. ويستيقظ الفجر المبين.
وإلى ذلك الحين، سنظلّ معاً نقفز فوق السطوح، ونستدرج رؤى التمرّد والغضب والحضّ و"الانتقام"، من على صفحات الحبر هذه. وفي متاهات هذا الشرق الحزين. آمين!
* * *
قعر
روحي مثقوبة. أعني بلا قعر. كلما زيدت عشقاً وامتلاءً ازدادت فراغاً وفَغَرَتْ قعراً. هل من شفاءٍ يشفي روحاً كهذه؟! هل من ردمٍ يدمل قعراً كهذا القعر؟
لا أرثي لروحي. بل أقرّظها. وها أنا أنادي عمّا يشدّ بها نزولاً إلى قاع القاع. حيث لا قعر لأيّ قاع.
وأنتِ يا امرأة؛ وأنتِ يا حرية؛ كلّ ما فيَّ يسألكِ أن تمعني تجويعاً وتعطيشاً. فلا تهملي. ولا تشفقي. كلما زدتِ القعر كَرَماً ازداد نقصاً وتطلّباً.
مَن مثلكِ يؤجّج جوعاً. مَن مثلكِ يستفزّ عطشاً. كهذَين الجوع والعطش؟
مَن مثلكِ يجعل قعراً يشغر شغورَ هذا القعر؟! مَن مثلي يطلب قعراً كهذا القعر؟!
* * * 
قد تكون مسألتي عاطفية. لكنها ليست كذلك. هي فقط وجودية. ولا حلّ.
روحي معطوبةٌ بوجودها. ثمة فيَّ مَن يقول: فليزددْ وجودي عطباً!


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم