الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

الزواج المدني في لبنان متاح ولا زلنا نتزوّج في قبرص...

المصدر: "النهار"
رين بوموسى
رين بوموسى
A+ A-

قد يكون السؤال متأخراً قليلاً. فقد قالا "نعم"، أمام كاتب العدل وسجلا زواجهما في الدوائر الرسمية اللبنانية. هذا ما فعله نضال درويش وخلود سكرية، وأكثر من 12 ثنائياً أقدموا على الزواج مدنياً في لبنان. هذه الخطوة التي تعتبر "مهمة" في سياق الدفاع عن الحقوق المدنية، لم تلقَ ترحيباً كبيراً في المجتمع اللبناني رغم كل الدعم الذي نالته "حملة زواج نضال وخلود".


حرية الاختيار


حددَ وليد بعد نحو الشهر موعد زفافه من حبيبته، إلا أنه ورغم حماسته للزواج المدني في لبنان، فضّل عقد زواجه في فرنسا، سيّما ان خطيبته أجنبية. وليد مثل كثيرين قرر عقد قرانه في الخارج، فهو يعتبر أن في لبنان خلطاً بين "الدين" و"المدنية"، وهذا ما يمنع كثيرين من اقامة زواجهما هنا. ويؤكد، في حديثه لـ"النهار" انه لا يمانع شطب مذهبه عن السجلات والاقدام على الزواج المدني، لكن الشاب الذي يقطن في باريس يشير الى ان في فرنسا " نتزوج مدنياً، ويتركون لنا حرية اختيار الزواج الديني".
أما ادوار الذي سيرتبط قريباً بحبيبته جيني، فلفت لـ"النهار" الى أنه يفكر في الزواج المدني في قبرص ليس بسبب قناعته بل هرباً من دفع الكثير من المال لدعوة الأقارب و الأصدقاء، ويقول "اذا عملت الزواج بلبنان بنكسر.... بقبرص بعرف انو انا ومرتي وأهلي وأهلها ". ويردد: "مدني بقبرص وخلصت الخبرية".


غموض


سبب خيار إدوار مختلف عن الأسباب التي دفعت مروى الى الزواج مدنياً في قبرص. كانت مروى أمام خياريْن، إما الزواج في لبنان أو خارجه، وتشرح السيدة أنها "لا ترى في شطب مذهبها مشكلة"، انما ما دفعها الى إقامة زواجها في الخارج هو الغموض في الأطر القانونية والتنظيمية التي ترعى الأمور الزوجية خصوصاً في حال الخلاف، أو الارث...
تقول مروى لـ"النهار" ان "شطب المذهب عن السجلات، لم تعرف تبعاته حتى الآن ضمن دوائر الدولة". لذا "فضلتُ عدم المجازفة والمخاطرة وقررتُ الزوج مدنياً في قبرص".


تشويش


يشير "مهندس" عقد زواج نضال درويش وخلود سكرية، الباحث القانوني طلال الحسيني الى أن كثيرين يعملون للتشويش على موضوع الزواج المدني في لبنان، مروّجين ان العملية صعبة.
ويعزو الحسيني "سبب التشويه" الى "رفض بعض الاشخاص فكرة الزواج المدني خوفاً من ان يؤثر على النظام الطائفي في لبنان"، مضيفاً في حديث لـ"النهار" أن "السبب الثاني ناتج عن الجهل في هذا الملف".


"تزوّجنا في لبنان... مدنياً"


في عام 2013 ، مهد زواج نضال درويش وخلود سكرية الطريق أمام لبنانيين كثيرين لاقامة زواج مدني في بلد الطوائف الـ18. خطوة خلود ونضال كانت صعبة، ولكن هل أقدم أحدهم على الزواج مدنياً بعدهما؟
لم تضع شذا خليل شرطاً للزواج من طوني داغر، حبُهما فتح الأبواب أمامهما للمضي في زواجهما، رغم كل الاعتراضات. لم يتزوجا كنسياً ولا وفق الشريعة الاسلامية، بل اختارا الزواج المدني. لم يتوجها الى قبرص أو فرنسا أو أي دولة حيث في امكانهما الزواج مدنياً، فكان لبنان المكان الأنسب للاحتفال بزواجهما بين الأقارب والأصدقاء.


اتفق طوني وشذا على عقد الزواج المدني لايمانهما بضرورة نشوء دولة مدنية في لبنان. وتقول شذا لـ"النهار" انهما لم يتزوجا مدنياً بسبب اختلافهما الطائفي، مؤكدة انه "حتى لو كان خطيبي من الطائفة عينها كنت سأقيم زواجاً مدنياً".


الطريق كانت وعرة، فرغم كل التسهيلات التي وفرها زواج خلود ونضال الا ان مسيرة الثنائي كانت صعبة ومليئة بالصعوبات.


كيف بدأ الأمر؟


اتصلت شذا بابنة بلدتها خلود لتستفسرعن المراحل التي يفترض اتباعها. المحطة الأولى كانت لدى مأمور النفوس حيث طلب الثنائي شطب الطائفة في سجلاتهما. بعدها عُلّق إعلان على باب البيت يفيد أن هذين الشخصين سيعقدان القران قريباً. وتقول شذا ان الاعلان يجب أن يعمم في الجريدة الرسمية، كي يبّلغ المعنيون.
عقدا قرانهما أمام كاتبة العدل في المنزل بالجديدة، واحتفلا مع الأقارب والأصدقاء بأجمل يوم قي حياتهما، لكن هذه الفرحة لم تكتمل كما يجب، اذ ان الصعوبة بدأت بعد انتهاء الحفلة.


تسجيل الزواج


قدم الزوجان أوراقهما الى مأمورة النفوس في منطقة الجديدة، كي تصدر لهما اخراج قيد عائلي. الا أن تلك المسؤولة لم تكن على دراية بالمراحل الواجب اتخاذها، فاستعانت بأحد المسؤولين وتم تحويل المعاملات الى دائرة بعبدا، من ثم الى مأمورة النفوس في منطقة بيروت، وفق شذا التي تقول ان مأمورة النفوس لم تكن "مقتنعة" بالمعاملات، فكانت تعرقل انجاز الوثيقة.
وتشير الى انه لا يحق لمأمورة النفوس، كموظفة، التصرف بهذه الطريقة وفقاً لأهوائها، سيّما ان هيئة الاستشارات العليا أوضحت كل المراحل الواجب اتخاذها.
بعد أكثر من خمسة أشهر، وقع وزير الداخلية والبلديات السابق مروان شربل الوثيقة، وقد بات كل من شذا وطوني كأي ثنائي تزوّج خارج لبنان، وهما اختارا اتباع القانون المدني الفرنسي أساساً لزواجهما.
سجل الزواج في الدوائر اللبنانية، وبات الزواج المدني يتبع مسارا اداريا عاديا كأي معاملة جديدة في الادارات.


القانون المختار


ويرى الحسيني ان "عقد الزواج فعل قانوني بين شخصين، تجمعهما وثيقة اثبات لدى كاتب العدل، أما وظيفة الادارة اللبنانية تكمن في تسجيل هذه الواقعة حفظاً لحقوق الشخصين وحقوق الآخرين".
ويرفض الكلام عن ان تسجيل الزواج المدني لا يكتمل الا بتعديل قانون الأحوال الشخصية، شارحاً ان "القانون الذي سينظم الحياة الزوجية العائلية، يختاره الثنائي خلال توقيع وثيقة الزواج لدى كاتب العدل، وفي حال حصول أي اشكال تفصل المحكمة المدنية بواسطة القانون المختار".


"مدني في ظاهره"


لوزير العدل الأسبق ابرهيم نجار مقاربة مختلفة. فهو يعتقد ان "الزواج المدني ضرورة في لبنان غير ان تنظيم كل مفاعيل الزواج ضرورة ولا يكفي ان يتم الاعتراف بهذا الزواج".
ويقول لـ"النهار": "واهمٌ من يعتقد ان زواج خلود ونضال هو زواج مدني حقيقي... انه مدني في ظاهره ليس الا".
ويشرح ان "الزواج ينتج نوعين من الآثار، آثار مادية وغير مادية. الآثار الثانية ترتبط بالولادة، التربية، النفقة، بطلان الزواج، الطلاق، الحضانة، الولاية على القاصر،...أي انها لا تتصل بمسائل مالية او عقارية او ما شابه ذلك".
ويضيف أن "هذا النوع من آثار الزواج يبقى في لبنان مرعياً بنظام الاحوال الشخصية الذي ينتمي اليه الزوج حتى لو تمّ عقد الزواج في بلد أجنبي وفقاً للشكل المدني، وفي حال عقد زوجان من إنتماء طائفي مختلف زواجهما أمام السلطات القبرصية، يبقى الزواج محكوماً ومرعياً بأحكام القانون القبرصي المدني، ولذلك يعود للمحكمة اللبنانية المدنية ان تنظر في الآثار التي ينتجها هذا الزواج وأن تطبق أحكام القانون القبرصي في ما يتعلق بما هو خارج الآثار المادية للزواج"، لافتاً الى ان "هذا الوضع يبقى نفسه اذا تم عقد القران في لبنان بين مسلم سني ومسلمة شيعية اذ يكون الشرع الحنفي، في هذه الحالة، راعيا للزواج".
وفي رأي نجار، أن "الزواج المدني الذي يعقد أمام كاتب العدل ويتم تسجيله لدى دائرة الأحوال اللشخصية لا يكون منظماً بأي نظام مدني"، مضيفاً أن "الزواج مدني في ظاهره فقط لأنه في صلب احكامه تطبق احكام الشرع الحنفي أو الجعفري ... وبالتالي ان الاعتراف بهذا الزواج لا يعدو كونه اعترافا بزواج مدني لا نظام له اي نظام مرعي بالاحكام التقليدية".


ويقول أن "الزواج المدني الحقيقي يجب ان يتبع نظاما يرعى آثاره المادية وغير المادية"، مشيراً الى انه تقدم بمشروع قانون يتيح بموجبه المشترع للزوجين اللذين يعقدان قرانهما في لبنان او خارجه اختيار النظام الذي يرعى زواجهما ليكون لزواجهما نظام يمكن ان يطبق على المسائل الناتجة عن الزواج.
وعن شطب المذهب عن اخراج القيد، يقول نجار انه "لا يؤدي لا من قريب ولا من بعيد الى تعديل انتماء هؤلاء الزوجين الى ديانتيهما ومذهبيهما، اذ يبقى المسلم السني سنياً والشيعي شيعياً بالنسبة للدولة اللبنانية والقضاء اللبناني...".


زواج شذا وطوني "غير شرعي؟!


يرى نجار ان "الزواج المدني في لبنان شرعي فقط في حال الزواج بين الطوائف المسلمة، لأن الزواج بين المسلمين يتم عبر عقد مدني"، لافتاً الى أنه "في حالة شذا وطوني يعتبر زواجهما غير شرعي، ووجودهما معاً مساكنة لأن الطوائف المسيحية لا تعترف بهذا الزواج ". ويضيف أنه في حال الخلاف، سيلجأ الثنائي الى "المحكمة المدنية لكنها لا يمكن ان تقول ان ما يجمعهما هو زواج".


رغم الملاحظات...


ورغم ملاحظات القانونيين على عقد الزواج المدني في لبنان وفق مسار نضال وخلود، تبقى الخطوات الواجب اتباعها هي الأساس. فهذا الزواح يتطلب شطب الطائفة من سجل النفوس، وعلى الثنائي إصدار اخراج قيد فردي وعائلي جديد يبرز شطب المذهب، أما الفحص الطبي فضرورة في معاملات أي زواج ان كان مدنياً او دينياً.
يحدد الزوجان موعد الزفاف لدى كاتب العدل، بعد اصدار وثيقة اعلان زواج من المختار. بعد اتمام الزواج، تحال الوثيقة الى مديرية الأحوال الشخصية للحصول على اخراج قيد عائلي. ويبقى الزواج المدني وفق هذه الطريقة لصيقاً بالحرية الشخصية وإختياراً أيضاً... وأسلوب تحدٍ للنظام الطائفي الجامد، بالنسبة لكثيرين.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم