الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

كُتِب لدريد لحام أن يحمل صليب سوريا

المصدر: "النهار"
فاطمة عبدالله
A+ A-

يقترب دريد لحام من جرح بلاده فيجده ينزف في القلوب والأعماق المضطربة. كان على مسلسل "بواب الريح" ("أل بي سي آي"، "أوربت مسلسلات"، "الدنيا") أن يقول للسوريين كفّوا عن ذبح بعضكم بعضاً، فوقع في معضلة الخطابة، أي اللغة المستعملة لتمرير هذه الرسائل.


يستعيد المسلسل فتنة العام 1860 بين الدروز والمسيحيين التي اندلعت في جبل لبنان وامتدت الى دمشق. عملٌ مليء بالإسقاطات، أراد منه المخرج المثنى صبح (مخرج "ياسمين عتيق"، رمضان 2013) بُعداً آنياً أو صلة مباشرة بالوضع الراهن. ثمة دلالات بين السطور وعِبرٌ على المفارق. ثلاث شخصيات بناها الكاتب خلدون قتلان وحمّلها صبح المسؤولية: دريد لحام في دور اليهودي يوسف آغا النحاس شيخ كار النحاسين، سليم صبري في دور شيخ كار ناسجي الحرير، وغسان مسعود في دور قائمقام قلعة دمشق. كثّف العمل دور لحام من غير أن يصوّره البطل المطلق أو يُعطيه مساحة تسلب الآخرين حضورهم. حمّله صليباً وقال له سرْ على درب الجلجلة. المراد أن يتعظ السوريون من تاريخهم، وألا يكرروا ويل حروب دفعوا باهظاً ثمنها.
وقع العمل أسير نوع الخطاب الذي يتوجّه به الى المُشاهد. بأي لغة يقول للسوري كن وأخوك يداً واحدة؟ بلغة أيديولوجية تلجأ اليها الممانعة البعثية متسلّحة بمفردتي "المؤامرة والفتنة"، أم بلغة لاممانِعة تنأى بنفسها عن هاتين المفردتين مستبدلة المؤامرة بتشريع الثورة والفتنة بالحضّ على الحراك. كان الظنّ أنّ بناء العمل وفق قاعدة خطابية ممانعة ينقذه من احتمال الوقوع في الفوضى، كما من شأن رسائله أن تنقذ السوريين من الهلاك إذا استمرّ القتال.
تعرض الحوادث تنوّع التركيبة السورية ديموغرافياً من باب الإشارة الى أنّ سوريا ميزتها العيش المشترك. وقوع السوريين ضحايا فتنة استهدفت خصوصاً الوجود المسيحي، كحال وقوعهم اليوم ضحية ما يسمّيه الخطاب "مؤامرة كونية". على لحام في دور السوري اليهودي، الحكيم وثاقب النظر، أن يحاول انقاذ وطن خرج عن السيطرة. رفضُه هجرة اليهود الى فلسطين، كرفضه أن يترك السوريون أرضهم لمن يدمّرها. يُظهِر المسلسل يداً تؤجج الفتنة، أو على الأقل لا تحول دون امتدادها، فليس الاحتلال العثماني وحده ما تنبغي مقاومته، بل أيضاً القوى المتواطئة (الفرنسيون).
عملٌ عن الواقع السوري الراهن، وإن تغيّر الكادر. لا يدّعي النأي بالنفس ولا الوقوف على الحياد. مواقفه واضحة، لا تحريض فيها ولا دعوة الى حمل السلاح. سيظلّ لحام يكرر: "الفتنة أشدّ من القتل"، الى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
[email protected]
Twitter: @abdallah_fatima

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم