الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

أهازيج الأولاد في رمضان

زياد سامي عيتاني
A+ A-

لشهر رمضان وقعه الخاص عند الصغار الذين يحتفلون به على طريقتهم الخاصة تعبيراً عن إنسجامهم مع الجو الرمضاني العام الذي يكون مخيماً على مختلف أوجه الحياة اليومية طيلة شهر بأكمله. فعلى الرغم من مشقة الصوم ، كان الصغار يحرصون على أن يصوموا، غير مكتريثين لأي جوع أو عطش، وكأنهم يريدون التعبير عن أهليتهم للقيام بواجباتهم الدينية وقدرتهم على تحمل الصيام، وبالتالي مشاركتهم لأهاليهم فرحة رمضان.


وفي سياق الحديث عن صوم الأولاد لا بد من الإشارة إلى واقعة حصلت قديماً، فقد روي بأنه جيء برجل سكران في شهر رمضان إلى أحد الخلفاء فأمر بجلده ثمانين جلدة لشربه الخمر وعشرين جلدة بعدها. فسأله: ما هذه العلاوة يا أمير المؤمنين؟ فقال الخليفة: لإفطارك في شهر رمضان وأولادنا صيام. فقد أدرك الخليفة ما يلاقيه الأولاد من ألم الصيام والجوع وإزدياد ألمهم عند مشاهدتهم المفطرين.
وكانت في الماضي بعض المدارس الإسلامية تهيىء الأولاد لرمضان من طريق تنظيم رحلات لهم إلى المتنزهات بصحبة مرشديهم لتمضية "سيبانة رمضان" بهدف تهيئتهم نفسياً ومعنوياً لشهر الصوم، لا سيما الأولاد من الأعمار التي يجب عليهم شرعاً التزام فريضة الصوم.
أما الأولاد صغار السن فقد جرت العادة أن يطلب منهم أن يصوموا اليوم الأول من رمضان ونصفه وآخره حتى يعتادوا فيما بعد على الصوم الشهر بأكمله. وغالبا ما كان الصغار يدّعون إلتزامهم الصوم تلك الأيام أمام أهلهم وزملائهم، إلا أنه في الخفا يتناولون ما استطاعوا من أكل وماء ليساعدوا أنفسهم على الصمود حتى موعد الإفطار.
ومن العادات التي إعتادها الأولاد لتساعدهم على الصوم إحضار برتقالة أو ليمونة حامض وشكها "بكبش القرنفل" بأشكال فنية جميلة وإستنشاقها طيلة الوقت لأن البرتقالة أو ليمونة الحامض المشكوكة "بكبش القرنفل" تعطي نكهة عطرية جميلة تنعش نفوس الأولاد . وإختيار هذه العادة المتوارثة من الآباء والأجداد لم تكن وليدة الصدفة بل أن إختيارهم لها تم بعناية وإدراك لأن "الكبش القرنفل" كثير المنافع وينشط الدماغ والذهن والصوت ويطيب النكهة ويقوي الصدر والمعدة ويزيل الوحشة والوسواس ويمنع الأعياء.
كذلك من عادات الأولاد في رمضان ومن باب التباهي بصومهم والتفاخر بذلك أمام زملائهم المفطرين ، وأنهم عند خروجهم الى ملعب المدرسة خلال فرصة الساعة العاشرة ، طلب كل واحد من زملائه إخراج ألسنتهم لمعرفة المفطرين منهم. فالصائم يبيضّ لون لسانه، أما المفطر فيبقى على إحمراره . وعند إكتشاف مفطر بينهم يطلقون عليه أهازيجهم كأن يقولوا له: " يا فاطر هلق بالسقف معلق" ، أما الصائم فكانوا يغنون له: "يا صايم عشية بتمك كبة مقلية ويا صايم شو مخبالك؟ مخبالك دجاجة محشية وبالسمن مقلية".
وهذا النوع من الأهازيج شائع بين الأولاد في أكثر الدول العربية، ففي سوريا يردد الأولاد عند مشاهدة المفطر "مفطر يا مالك، ياما مخبالك، مخبالك أبو زعزوعة، يلفك بالقبوعة.
أما في الجزائر فيقولون: يا وكّال رمضان ، يا خاسر دينو ، وكلب أسود يقطع مصارينو.
وبعد الإنصراف الأولاد من المدارس وعودتهم إلى المنازل، كانوا يقضون وقتهم إما بمساعدة أمهاتهم بتحضير الطعام ، أو النزول إلى الساحات في إنتظار سماع صوت المدفع وآذان المغرب. دون أن ينسوا من كثرة طرح أسئلة الإستفهام عن موعد الإفطار وكم من الوقت يبقى لإطلاق المدفع وعن نوعية الطعام الذي تحضره أمهاتهم للإفطار.
****
أهازيج الأطفال
ومن العادات القديمة أن الأهل كانوا يستخدمون الموسيقى للتخفيف عن أولادهم الصائمين، فبيروت عرفت العديد من الفرق الموسيقية التي كانت تعزف موسيقاها خلال الوقت الذي يفصل موعد الإفطار.
ففي محلة البسطة كانت هنالك فرقتان الأولى تأخذ مكاناً لها في جوار المخفر والثانية مقابلها. وهما "جوقة العجوز" و "جوقة الأفراح"، فتعزف كل جوقة ما شاءت من الألحان والأناشيد، ومع قرب غروب الشمس كانت تنتهي الجوقتان ألحانهما ، وكان الأولاد المجتمعين حولهما يرددون:
قوموا روحوا ، قوموا روحوا
ما كنتوا تقوموا تروحوا
لزقتو متل التمرية
من عابكره لعشية
وكان الأولاد يطلقون مثل هذه الأهازيج في إشارة إلى أن رحيل الفرقتين يعني قرب موعد الإفطار.
بعدها يجتمع الأطفال في الساحات بالقرب من المساجد فإذا ما سمعوا الآذان أو صوت المدفع أو شاهدوا إرتفاع علم سارية الآذن إيذاناً بموعد الإفطار، هرعوا إلى أهاليهم صائحين:
"افطروا افطروا "، فكانوا يضفون أجواء من البهجة على نفوس أهلهم.
ومثل هذه العادات موجودة عند غالبية الدول العربية ، فمثلاً الأولاد الكويتيون كانوا يتراكضون بإتجاه المؤذن لحثه على الإسراع في رفع آذان المغرب منشدين:
يا مؤذن أسرع أذّن أسرع أذّن
ترى الصيام ياعوا ياعوا (جاعوا)
ترى الفطار شبعوا شبعوا
أذّن يا عيسى حطوا الهريسة
أذّن يا اسماعيل حطوا المواعين


أما في السعودية وإذا ما حان وقت الغروب قام الأطفال بجمع ما يحصلون عليه من المأكولات الرمضانية الشعبية في صحن واحد وهم ينتظرون الأذان ويرددون مداعبين المؤذن
مال المؤذن .. ما يأذن
مال الموذن .. حنَّا يبغى فتيتة حنَّا
مال المؤذن دَنَّا
يبغى لُبَّة عيش وخميرة
مال الموذن دنا
هب له زبادي وفتيتة
(في عدد الغد عن الصغار ورمضان في السعودية وسوريا والجزائر والهند وباكستان)
*إعلامي وباحث في التراث الشعبي


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم