الثلاثاء - 16 نيسان 2024

إعلان

لماذا يصعب علينا تقبّل الإطراء؟

المصدر: "النهار"
كلودا طانيوس
A+ A-

يلتقي الأصدقاء ليرفّهوا عن أنفسهم بعد أسبوعٍ طويلٍ ومرهقٍ في العمل، فتبدأ الأحاديث و"الخبريات" والنكات والذكريات، وأيضاً الإطراءات، لكن إلى حدٍّ ما. فالإطراء الذي ينطق به أحدهم معبّراً عن إعجابه بأمرٍ ما في الشخص الآخر، قد لا يتم قبوله بطريقةٍ سلسة أو بسيطة، فهناك من يتوتر عندما يتعرّض للإطراء ولا يعرف كيف يتصرف، ومنهم من يجيب بطريقة مغايرة عبر انتقاد أنفسهم ورَفْضِ الإطراء، ومنهم من يشكك بهدف الشخص الذي قدّم الإطراء، ومنهم من يستعمله كوسيلة لتأكيد براعته أو جماله معبّراً عن غرورٍ واضح، حتى أصبح احتمال لفظ كلمة "شكراً" ضئيلَ الحصول.


 


 


ثلث الناس فقط يتقبّل الإطراء بطريقة صحيحة


من المعروف أن أفضل رد على الإطراء هو التوجه بالشُّكر لقائله، لكن أكدت دراسة أجرتها جامعة "بينغهامتون" في ولاية نيويورك الأميركية في حزيران الماضي أن ثلث الناس فقط يتقبّل الإطراء بطريقة صحيحة، أي ببساطة وسلاسة، مشيرةً إلى أن الصعوبة تكمن في شقَّين: الأول في تقبّل الإطراء بالإجمال أو لا، والثاني في الموافقة على مضمون الإطراء من عدمه، فمن يتلقى الإطراء يواجه نوعاً من الصراع في إيجاد الألفاظ المناسبة للرد، إذ عليه أن يوافق من يوجّه إليه الإطراء، ويشكره، من دون أن يبدو متكبّراً.


 


اضطراب القلق الإجتماعي يؤثر سلباً


هناك أشخاص يخافون من أن تتم مراقبتهم وتقييمهم، الأمر الذي يجعلهم قليلي التقبّل للإطراءات، وغير متلفّظين لها أيضاً، إذ هم يعانون من اضطراب القلق الاجتماعي أو الرهاب الاجتماعي (SAD). يتبين الأمر من خلال رفضهم للإطراء عندما يقول لهم أحدهم إنهم أبدعوا في مشروعٍ ما في العمل، فيأتي ردّهم أن أيّاً كان بإمكانه أن يقوم به، مع العلم أنهم فعلاً قد قاموا بمجهودٍ كبيرٍ لإنجازه. فيبرز خللٌ نفسي لديهم بما أنهم يستخفّون بأنفسهم معبّرين عن أنهم لا يقدّرون عملهم أو مظهرهم الخارجي أو منزلهم أو أيّاً كان موضوع الإطراء.


 


موضوع الإطراء يحدد رد الفعل


يُلاحَظ اختلاف ردود الفعل على الإطراءات بحسب موضوعها، إذ غالباً ما يرفض الشخص أو يخجل من إطراءٍ على مظهره، أي الإطراء المادي، فإذا كان الإطراء لشعره أو عينيه أو جسمه، أو لشيءٍ يمتلكه أو يرتديه، يتلبّك رافضاً الأمر ومعبّراً عن توترٍ معين، فيما لا تكون هذه هي الحالة عندما يقوم الإطراء على تقدير ميزةٍ ما في الشخص، كشجاعته أو صدقه أو كرمه أو ذكائه، بحسب موقع "اليوم" الأميركي (Today.com).


 


النساء أقل تقبّلاً للإطراء؟


لطالما صُنّفَ الجنس اللطيف في خانةِ غيرِ المتقبّل للإطراء، وهذا ما يشرح امتعاض الرجل كلّما عبّر عن إعجابه بزوجته، إذ يأتي ردّها بالسلبي أو بالرافض أو حتى المشكّك، مع العلم أنها تطالبه مراراً بأن يطري عليها بالكلام الجميل، الأمر الذي يوقعه في حيرةٍ من أمره حول كيفية تصرفه. عند إطرائها، قد يبدو الخجل عليها ولا تقدر على التحدث فتنظر نزولاً. فسّرت قناة NBC التلفزيونية ذلك في حلقةٍ ضمن برنامج "الصحة اليوم"، بأن النساء اللواتي يتمتعن بثقة عالية بالذات يملنَ إلى رفض الإطراءات رغبةً منهن بالظهور متواضعاتٍ وخجولات.


فيما نفى موقع "علم النفس اليوم" في حزيران الماضي ذلك، مشيراً إلى أن جنس الشخص المتلفّظ بالإطراء هو المؤثّر، وليس جنس الشخص المتلقي، أي إن النساء لسن غير متقبلات للإطراء بالإجمال، فالواقع – بحسب الموقع – هو أن الإطراء يكون غيرَ مقبولٍ كلياً إذا ما صدر عن الأنثى، مهما كان جنس الشخص المتلقّي للإطراء. فعندما يتوجه رجلٌ معين بالقول لامرأة إن شعرها جميل، سيكون ردّ فعلها شكره على إطرائه هذا، فيما إذا جاء الإطراء من امرأة، فسترد عليها بالقول إن الأمر غير صحيح بما أنه كان من المفروض أن يكون أطول، و"السبراي" كثيف عليه، وأطرافه غير صحية.


تطرقت الممثلة الكوميدية الأميركية إيمي شومر إلى المسألة بطريقة انتقادية لاذعة ومضحِكة جداً في الوقت نفسه، وذلك عبر فيديو صوّرَته مع صديقاتها، تلتقين فيه وتتبادلن الإطراءات، وكل واحدة منهنّ ترفض الإطراء الموَجّه إليها وتنتقد نفسها، فيما ينتهي الفيديو بأن إحداهنّ تقول "شكراً"، من دون أن ترفض الإطراء أو تتوتر عند سماعه، لتُصدَمَ النساء في الفيديو من رد الفعل هذا، بدليل أن قبول الإطراء ليس متَوقّعاً البتّة.


 


عدم تقبّل الإطراء مترسّخ عبر التربية والمجتمع


أصبح رفض الإطراء شبه مترسّخٍ في شخصية الإنسان جرّاء التربية التي يتلقاها منذ الطفولة، خصوصاً الفتيات اللواتي ينشأن ويتم إرشادهنّ على ضرورة الظهور خجولات، وعلى أنه في حالة قبولهنّ للإطراء وموافقتهنّ لمضمونه، ستظهرن متعجرفات. وأصدق مثال على ذلك "الهجوم" الذي تقوم به المرأة عندما يتوجه إليها أحدهم بإطراءٍ معين، فإذا ما قالت صديقتها: "ما أجمل فستانك!"، ترفض الأمر وتردّ عليها بالقول إنه يجعلها تبدو سمينة وإنه قديم وليس من الموضة الجديدة، وإنه غير ملائم للمناسبة الاجتماعية الحالية، محاولةً أن تبرهن لها أنها مخطئة بإطرائها هذا.


ذكرت الصحيفة البريطانية "الدايلي مايل" في هذا الصدد أن البريطانيين بالإجمال لا يتقبّلون الإطراء كما يجب، بما أنهم لا يريدون أن يظهروا متعجرِفين أو متكبّرين، عازيةً السبب للتربية التي يتعرض لها الشخص، وهي المليئة بالانتقادات العائلية والاجتماعية، وأضافت أن رفض النساء على وجه التحديد للإطراء ينتج من اعتقادهنّ أن من قال الإطراء يحاول أن يكون لطيفاً، أو أنه يشفق عليهنّ، أو أنه يريد خدمةً ويستعمله كوسيلة للتجاوب منهنّ، مشيرةً إلى أن معظم النساء اللواتي يرفضن الإطراء، يعشقن سماع ذلك أصلاً، لكنهن يرفضن ذلك بطريقة لاواعية خوفاً من الوقوع في فخ الغرور.


عدا عن التربية، يؤثّر المجتمع في النساء عبر اعتقادهنّ الدائم بأنهن غير جديرات بالحصول على الإطراء، وبأنهن غير جميلات أو نحيفات أو جاذبات، خصوصاً مع الإعلانات الضاغطة عليهنّ وهي القائمة على جمال البشرة واللياقة البدنية والثقة بالنفس، فيقمن بخفض منزلتهنّ حتى لو وافقن على الإطراء واعتبرَنه صحيحاً ومعبّراً عن الواقع.


 


رفض الإطراء خطير على المدى الطويل


جرّاء الرفض المستمر للإطراء، يبدو أن النساء ينتقصنَ من ميزاتهن الجميلة والحسنة بدل السعي لـ"تأكيد" أنفسهن والفخر بصفاتهنّ هذه، الأمر الخطير نفسياً على المدى الطويل، بحسب ما ذكرت صحيفة "ذي هافينغتون بوست" الأميركية في أيار 2013، إذ يكمن هذا الخطر بظهور نوع من كراهية للذات عند الشخص، مما يؤدي إلى صعوبة لديه في الشعور بالفخر والاعتزاز بأعماله ومظهره وأناقته، فيهين نفسه ويقلّص من أهميته كفردٍ في المجتمع، مع العلم أن قبوله للإطراء يفيده نفسياً برفع ثقته بنفسه، ولا يُظهره فعلاً متعجرفاً أو بغيضاً.


 


رفض الإطراء أمرٌ غير أخلاقي


على رافض الإطراء أن يأخذ بعين الاعتبار رد فعل المتوجِّه له به، فعندما يرفض أحدهم إطراء غيره يقوم بخطوة وقحة إذ يقول له بطريقة غير مباشرة إن رأيه سخيف، خصوصاً أنه لم يشكره على كلامه الحسن عنه. من هنا، ضرورة التمتع بالكياسة وشُكر قائل الإطراء حتى لو اعتبر الشخص أن كلامه ليس صادقاً تماماً، مما ينعش ويجدد الثقة بالنفس لديه، بحسب ما ذكرت صحيفة "الدايلي مايل".


 


مسألة الإطراء تطرح مفارقة ثقافية


تختلط الأمور و"القواعد" المجتمعية على النساء، ولهذا السبب لا يعلمن كيفية تقبّل الإطراء أو الغزل بالطريقة الصحيحة، بحسب ما أكدت جامعة "نورثويستين" الأميركية في دراسةٍ لها في تموز 2013، فالنساء يتعرّضن لضغط جراء الثقافة التي ينمين فيها حول ما هو مقبول أو غير مقبول في التصرفات الاجتماعية. يُطلب من المرأة أن تحبّ نفسها ولكن إلى حدٍّ ما، وأن تكون واثقة من نفسها لكن أن تظلّ متواضعة، وأن تفتخر بقدراتها ولكن ألا تعلن الأمر إلى الملأ، وإلا ستُشعر الآخرين بالاستياء إذا ما افتقد غيرُها لتقديره لنفسه، في مفارقة ثقافية واضحة في المجتمع. وتؤكد الدراسة أن تربية الفتاة على مبدأ عدم التحدث بإيجابية عن النفس، ترفع من نسبة رفضها للإطراء، إذ تسعى الفتاة عندها لتعزيز صفة التواضع لديها وإقناع الآخرين بها.


 


الطريقة الصحيحة للرد على الإطراء


على الشخص أن يبتعد عن الأسئلة المشككة وعن الرفض وعن إهانة الذات، فالطريقة الأنسب للرد على الإطراء تكمن في التعبير عن الشُّكر والابتسام، بحسب موقع "علم النفس اليوم"، ويمكن أن يبادر الشخص بعد كلمة "شكراً" بإطراء آخر للمتوجِّه إليه، أو أن ينطلق من موضوع الإطراء لحديثٍ معين، ففي ذلك احترامٌ متبادل وغياب لأي تصرف اجتماعي غير لائق.


 


 [email protected] / Twitter: @claudatanios

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم