الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

هكذا غزا الجهاديون سوريا والعراق و...لبنان

المصدر: النهار
A+ A-

قبل بدء الثورة السورية، كان يصعب العثور على أي ذكر لسوريا في الكتب عن "القاعدة". راهنا، اختلف الوضع. صارت سوريا مهد الانبعاث الجديد لتنظيم أسامة بن لادن، ومغناطيس الجهاديين من أصقاع العالم، وأرضا خصبة لنشوء جيل جديد من الإرهابيين. فكيف حصل ذلك؟وما هي الظروف التي وفرت هذه العودة القوية للتنظيم؟


تعرض الصحافية رانيا أبو زيد في مجلة "بوليتكو" الاميركية رواية مفصلة عن الظروف التي وفرتها الثورة السورية مع تردد للمجتمع الدولي للرد عليها ، لاعادة انبعاث اسلام جهادي حوّل مناطق شاسعة من العراق وسوريا الى معقل للجهاديين عابر للحدود يهدد باعادة رسم خريطة الشرق الاوسط، على الارض اذا لم يكن على الورق. وهي رواية جمعتها على مدى رحلات عدة الى سوريا بعد مقابلات نادرة مع قادة للجهاديين على الجبهات الامامية.


على غرار فرضيات كثيرة سابقة، تقول إن كل شيء بدأ منتصف 2011 مع الاطلاق المشبوه للنظام السوري لمئات الجهاديين من السجن، في خطوة دعمت استراتيجية النظام في تقديم الانتفاضة على أنها مؤامرة من اسلاميين متطرفين وعملاء لاسرائيل والغرب وعدد صغير من مواطنين خائبين وقعوا فريسة "متآمرين خارجيين".وقد أفاد من هذا الامر أبو محمد الجولاني أيضاً.


بين الاسلاميين الذين أطلقوا من صيدنايا أبوعثمان، وهو في آخر الثلاثينات من العمر التقته أبو زيد في كسب منتصف نيسان، إذ كانت البلدة في يد المعارضة. وهذا الرجل الذي كان مسجونا منذ 2007 بتهمة الانتماء الى جماعة مرتبطة ب"القاعدة، ويعطي دروسا في الشريعة الى أفراد من "جبهة النصرة" ويعمل قاضياً في محاكم الشريعة ، يتذكر أجواء سجن صيدنا في ذلك الربيع 2011 عندما انتشرت الاخبار عن الثورة ومراسيم العفو .ويقول:"طلب منا أخوة لنا يتمتعون بخبرة كبيرة (في الجهاد) وأمضوا وقتا طويلا في صيدنايا ، الا نقوم بأي تحرك عند اطلاقنا...قالوا اجلسوا وانتظروا".


أدرك أبو عثمان وآخرون أن النظام السوري عفا عنهم لادراكه أنهم سيحملون السلاح ضده ، وهو ما سيتيح له أن يقول للعالم :"انظروا الى الارهابيين..". بيد أن هذا الامر لم يمنعهم من الاستعداد للقيام بذلك.وكانوا يعملون في السر.


كان سجناء صيدنايا شبكة جاهزة.ويقول أبو عثمان:"عندما اعتقلت كنت أعرف أربعة أو خمسة أو ستة ، ولكن عندما أطلقت (في حزيران 2011) كنت أعرف 100 أو 200 أو 300 جهادي...استغرق الامر بضعة أسابيع قليلة- اسابيع- لا شهرا ، لنبدأ العمل سراً في مجموعات من اثنين أو ثلاثة أشخاص".
بدأ أبو عثمان الاستعداد للقتال سراً، وعمل في خلية استخباراتية جهادية في حلب التي كانت لا تزال معقلاً للنظام.وأقر بأنه "عندما بدأنا كنا نتحرك بلا ارشادات أو أوامر.بدأنا تجميع أنفسنا".ولم ينس ما قيل لهم في صيدنايا بأن ينتظروا زعيمهم الجديد، ففعلوا ذلك.


في ذلك الوقت، تسلل أبو محمد الجولاني وسبعة من رفاقه، بينهم بضعة سوريين وسعودي وأردني- عبر الحدود من العراق الى سوريا في احدى ليالي صيف 2011، وكان في استقبالهم بعض من "خريجي" صيدنايا.
كان الجولاني مبعوثا من زعيمه أبو بكر البغدادي والقيادة المركزية ل"القاعدة" لانشاء فرع سوري ل"القاعدة".الا أن تلك الرحلة شكلت لاحقا نقطة تحول في الحرب السورية ، وعاملاً أساسياً في تحول نزاع داخلي الى حريق اقليمي يهدد العراق بعد سوريا والحبل على الجرار.


لم يكن الجولاني في حينه معروفا على نطاق واسع، ولا تزال أصوله غامضة حتى اليوم.ويقول المقربون منه أنه هادئ وواثق من نفسه ونظامي يصغي باهتمام ويفكر استراتيجياً.ولا يبقى أعزل ابداً...عندما ينام يكون مسدسه تحت مخدته وحزامه الى جانبه" تزوج قبل سنوات في سوريا ولديه ولد. اسمه الحربي يفترض أنه من مرتفعات الجولان، ولكن البعض يقول إنه اشارة الى ضاحية جولاني في الفلوجة العراقية حيث قاتل الاميركيين.
ومع ذلك، يقول المقرب من "النصرة أن الجولاني سوري ونشأ في دمشق.اعتقله الاميركيون في العراق وسجن في معكسر بوكا، على الحدود مع الكويت، وصنف كرديا من الموصل.


مع وصوله الى سوريا بدأ الجولاني التواصل مع بعض خلايا رجال صيدنايا الذين كانوا ينشطون سراً كما مع آخرين كانوا لا يزالون ينتظرون ظهور تنظيم مرتبط ب"القاعدة". وكان العمل الاول غير المعلن للتنظيم الجديد الهجوم على مقر الامن في دمشق في 27 كانون الاول 2011.وبعد ذلك، بشهر تقريبا، في 23 كانون الثاني 2003، أعلنت "جبهة النصرة" عن نفسها في شريط صوتي من دون أن تورد أي ارتباط ل ب"القاعدة".
كانت تلك خطة الجولاني، وكان الظواهري قد أعطى ارشادات صارمة بعدم الاشارة الى علاقته بالجبهة.


كان الجولاني واضحاً في أنه لن يفعل ما فعله التنظيم الام في العراق، أي فرض الشريعة على السكان المحليين ومعاداتهم .كان يعتقد أن سوريا ستكون المسرح الذي تظهر عليه "القاعدة" تطورها.


في تموز 2012 غادر الجولاني دمشق وراح يتنقل بين مواقع "النصرة" في ادلب وحلب. وبين الجماعات المسلحة المشتتة التي ظهرت في سوريا، برزت "جبهة النصرة" قوة قتالية منظمة وفاعلة، ونفذت أكثر العمليات قوة ضد النظام، بما فيها عمليات انتحارية. وسبق للجولاني أن صرح بأن نصف تمويل الجبهة يأتي من المنظمة الام "الدولة الاسلامية في العراق"، والنصف الاخر من مانحين خاصين وغنائم الحرب.
بعد سنة من اعلان وجودها في سوريا تقريبا، حققت "النصرة" ما كان أسامة بن لادن حلم به في أبوت أباد: تحولت قوة كبيرة مع دعم شعبي قوي. ومع ذلك، لم تعلن ارتباطها ب"القاعدة" الا في الثامن من نيسان 2013 عندما أعلن زعيم "الدولة الاسلامية في العراق" أبو بكر بغدادي ذلك في تسجيل صوتي مفاجئ.


انقسام "النصرة" وولادة "داعش"



خلط اعلان البغدادي الاوراق، إذ لم يكتف باعلان العلاقة بين تنظيمه و"النصرة"، وإنما ذهب الى اعلان دمج المجموعتين في كيان واحد تحت قيادته، وهو ما رفضه الجولاني مبايعا الظواهري وطالبا منه التوسط في الازمة.تأخر خلف أسامة بن لادن شهرين للتدخل.وعندما فعل رفض دمج التنظيمين، فتجاهله البغدادي الامر الذي أدى الى انقسام في "جبهة النصرة.


بقي بعض مقاتلي الجبهة مع الجولاني، فيما تبع آخرون، وتحديدا الاجانب أو المهاجرون، أوامر البغدادي وانضموا الى "الدولة الاسلامية في العراق".
وبحسب المقرب من "النصرة" كان أثر الانقسام عميقاً:"جميع النصرة صاروا الدولة وصرنا قلة".


بدأ تنظيم "الدولة الاسلامية في العراق والشام" (داعش) انشاء دولتها في الاراضي التي تسيطر عليها، وخصوصاً في الرقة.وبحلول 2013 كان "داعش" يسيطر عليها بالكامل وجعل هذه المدينة التي تعد 220 الف نسمة عاصمته، وملأ سجونها بكل من عارضه أو مارس عادات غير اسلامية.
خلافاً لما ادعته "النصرة"، لم يتعلم "داعش" من تجربة "القاعدة" في العراق. وفيما يقول زعماء المعارضة السورية إن "الدولة" من صنع النظام أو تتعاون معه، يصعب الثبت من أي من الفرضيتين.و ثمة أمر واحد أكيد وهو أن رواية النظام أن خصومه هم من الاسلاميين المتطرفين الهادفين الى فرض قوانين اسلامية صارمة، تنطبق على "داعش" تماماً.


وحتى "القاعدة" نفسه لم يحتمل ممارسات "داعش"، الامر الذي دفعه الى التبرؤ منه في بيان صادر في الثالث من شباط 2014، فرد عليه "داعش" متهماً "القاعدة" الام بأنه ضل الطريق الصحيح للجهاد.


تدفق الجهادين الاجانب


واصل "داعش" تنظيم صفوفه في شمال شرق سوريا وشرقها على الحدود مع العراق.ومع استعادة النظام زخمه في الوقت الذي انخرط فيه الجهاديون في نزاعات في ما بينهم، ازدادت الحرب السورية وحشية، واستقطبت صور القتلى مزيدا من المقاتلين الاجانب من دول حول العالم.انضم مقاتلو "حزب الله" وعراقيون بأعداد متزايدة الى النظام، فيما التحق ما هب ودب من المقاتلين ، بمن فيهم شيشانيون وتونسيون وليبيون ولبنانيون الى صفوف السوريين الذين يقاتلون النظام


وتتحدث أبو زيد عن عسكري أميركي سابق اعتنق الاسلام اسمه أبو أسامة يدرب الجهاديين، فيما يدرب أميرا ل"النصرة" خلية من الفلسطينيين والعرب الاسرائيليين.


كانت غالبية المهاجرين تدخل الى شمال سوريا من تركيا.وأكثرهم كانوا ينضمون الى كتائب مقاتلة غير "الجيش الحر".وفي منتصف أيلول 2012، بدأت "النصرة" انشاء جهاز أكثر تنظيما لتهريب المقاتلين الى سوريا، وعينت "أميرا للحدود" مهمته تسهيل دخولهم.وعلى رغم تشديد السلطات التركية المراقبة للحدود بحلول شباط 2013، استمر تدفق المقاتلين الاجانب الى سوريا، ومنها واصل بعضهم طريقه الى العراق.


حاليا، يسيطر "داعش" على مساحات واسعة من شمال شرق سوريا، من حلب الى حدود العراق، ولكنها لم تعد منتشرة في ادلب أو اللاذقية.كما لا تزال منتشرة بكثافة في الرقة.في غضون ذلك، لا تزال "النصرة" تحت قيادة الجولاني وتقاتل "داعش" علناً ، وأحيانا جنبا الى جنب مع كتائب مسلحة أخرى.لقد تحول النزاع بين أعداء النظام حربا أهلية داخل حرب أهلية، تماما كما شاء الاسد.


وفي العاشر من حزيران استولى مئات من "داعش" على الموصل، وواصلوا طريقهم جنوباً في اتجاه بغداد، محتلين بلدات عدة في طريقهم. ولكن "داعش" لا يتحرك وحيدا في العراق، إذ انضم اليه سنة كثيرون مستاؤون من حكم رئيس الوزراء نوري المالكي، بمن فيهم مناصرون للرئيس العراقي الراحل صدام حسين.


لم يكن متوقعا أن يبقى النزاع السوري في سوريا.لقد دفع بملايين اللاجئين الى دول الجوار، وأعاد احياء طريق الجهاد صوب العراق.ولعل ما يحصل راهنا في لبنان يؤكد أن"النصرة" و"داعش" أقامتا خلايا لهما في هذا البلد.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم