الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

رسالة عاجلة إلى المعنيين: ماذا تريدون يا أولاد الأفاعي؟

المصدر: "النهار"
عقل العويط
عقل العويط
A+ A-

على هامش ما آل إليه الاستحقاق الانتخابي الرئاسي، سأحاول أن أختصر المشهد السياسي اللبناني على الوجه الآتي، انطلاقاً من تجربتي الكتابية الأخيرة التي رأيتُ فيها من واجبي، كـ"مواطن"، أن أرافق هذا الاستحقاق، بتعقيداته ووقائعه المخزية، وبالطموحات المشرِّفة التي يحقّ للمواطنين أن يتوقوا إليها.


- لقد رأيتُني، كلما كتبتُ في المعايير وسلّم القيم التي يجب أن تحكم حياتنا الوطنية العامة (افتتاحيات "الملحق")؛ أتلقّى سيولاً من الردود الطيّبة (الهازئة ربما، أو المُشفِقة) التي تلفت إلى البون الشاهق الذي يفصل الواقع عن البرج العاجيّ الذي أقيم فيه، ويقيم فيه بعض المثقفين العلمانيين، ممّن يشهّرون بانحطاط النظام السياسي، وبوصول غالبية العاملين في الطبقة السياسية إلى أسفل الدرك.
- لقد رأيتُني، في المقابل، كلما كتبتُ انطلاقاً من مكوّنات المشهد السياسي "الواقعي"، بطوائفه ومذاهبه وأحزابه وتياراته وزعمائه وقطعانه، داعياً إلى تجنّب الأسوأ، واستخلاص الزبدة القليلة التي في لبن المشهد، وتظهير هذه الزبدة، لنحفظ بها ماء وجوهنا، ونحجّم عيوبنا السياسية الفاضحة، ولنتمكن من العيش في الحدود الدنيا لكرامة العيش؛ أتلقّى سيولاً من الردود المستهجِنة، التي تُعيب عليَّ كـ"مواطن علماني" وكـ"شاعر وكاتب" أن أنغمس في المستنقع الطائفي السياسي، وأن أكون جزءاً من الحثالة الطائفية التي تتحكم بحاضر البلاد ومستقبلها (مقالاتي الأخيرة في موقع "النهار" الالكتروني: رسالة عاجلة إلى بطريرك الموارنة، 18 نيسان، رسالة عاجلة إلى مسيحيي السنّة والشيعة، 20 نيسان، رسالة عاجلة إلى الأستاذ وليد جنبلاط المحترم، 22 نيسان).
تبًاً للجميع. بل أقول لهؤلاء وأولئك، متداركاً وسائلاً: ماذا تريدون، أو ماذا تقترحون، أيها العباقرة؟!
تعليقاً أقول: أنتم، فوق وتحت: من جهة، تكرهون نزاهتنا الثقافية، المدنية، الأخلاقية (الدونكيشوتية!) لأنها مبكِّتة، فضّاحة، مشهِّرة بالعيوب؛ ومن جهة أخرى، تستهجنون الإحراج السياسي التي تضعكم فيه مثل هذه المقالات، فلا تجدون سوى الاختباء وراء الانفعالات والغرائز. معليش! لكن! هل تريدون الانقلاب على هذه الطبقة السياسية؟ عال. لماذا لا تنقلِبون عليها، ولماذا لا تُظهِرون لنا عبقريتكم السياسية والوطنية البديلة؟
لقد مضى أكثر من سبعين عاماً على نيل لبنان استقلاله السياسي، ولم يستطع أيُّ حزبٍ، لا "تغييري"، ولا "تقليدي" أن يُحدِث فارقاً نوعياً في حياتنا الوطنية. بل راحت هذه الحياة تتدحرج نزولاً إلى قاع القاع، حتى أصبح من شبه المستحيل إيجاد فسحة ضوء صغيرة "محرّرة" من نير هذه الحلقة الجهنمية الفارغة.
ثمة في جهة، أحزاب وتيارات "تقدمية"، "طليعية" "علمانية"، "ديموقراطية"، على "عروبوية"، و"إسلاموية"، بأمّها وأبيها، ترفع شعاراتها المطنطِنة منذ الاستقلال، بل منذ عقود قبله، وترهن البلاد لاستقطابات إقليمية وسواها، ولم تستطع أن تطبّق شعاراً واحداً من شعاراتها، لا في أيام السلم، ولا في أيام الحرب. بل كانت تقدّم البراهين، تلو البراهين، على انسجامها الكامل مع بنية النظام الطائفي وأهله، وتعمّق شروخ الحياة، وتبهدلها، وتشوّه الجميل الطبيعي والعفوي فيها. فماذا تريدون يا هؤلاء؟!
ثمة في جهة ثانية، أحزاب وتيارات "لبنانوية"، "مذهبية"، "قوموية"، "عصبوية"، "مسيحانية"، "طائفية"، "عنصرية"، أمضت أعمارها وأعمار شبابها وكهولها وعجائزها "في خدمة لبنان"، لكنها لم تستطع أن تحافظ عليه، ولا أن تجعل منه "وطناً"، ولا "دولة"، ولا أن تُبعِد عنه الأذى يوماً. بل رأيناها تمعن فيه تناتشاً ونهشاً. وإذا لم تجد أحداً، انقلبت على نفوسها، وراحت تمعن فيها التهاماً. المشهد المسيحي الراهن، ألا يعكس هذه الصورة؟! فماذا تريدون يا هؤلاء!
ثمة في جهة ثالثة، مرجعيات دينية، لا تعرف شيئاً في السياسة ودهائها، وألاعيب دهاقنتها، كما لم تعد تعرف شيئاً مما يجب أن تعرفه في حراسة القضية اللبنانية. لكنها تتنطّح. فتبّاً لها أيضاً!
ثمة في جهة رابعة وخامسة وسادسة و... هلمّ، يتحلّق الطامعون الإقليميون التاريخيون، من شرق وشمال وجنوب. فضلاً عن جهابذة اللعبة الدولية. فإلى أين المفرّ يا لبنان؟ إلى أين المفرّ؟!
أما هنا، في الجهة التي لا "مكان" لها، ولا "مرجع"، ولا "آلهة"؛ حيث نحن، وحيث نحبّ أن نكون؛ فثمة مَن لا يزال يؤمن بأن الدولة اللبنانية يجب أن تكون هي وحدها لبنان، رئيساً ومؤسسات ونخباً سياسية وثقافية، ومكوّنات وطنية، مجتمعية، وشعبية، ودينية.
هذه الجهة الحرّة، التي يجب أن تكون الجهات كلها، تجد أن انتخاب رئيس للجمهورية يجب ألاّ يخضع للعبة السياسية الدنيئة، المقيتة، البغيضة، الدنيئة، الجارية فصولها حالياً؛ التي تصادر الاستحقاق، وتفرّغه من محتواه؛ والتي هي ثمرة فراغٍ وطني، سياسي، أخلاقي، قيمي، روحي، وجداني، مخيف، يمكن أن يضع البلاد على طاولات الدول التي يُتلاعَب بمصائرها وبمصائر شعوبها في المنطقة العربية.
إذا استمر الغيّ السياسي هذا، ومعه الجشع، وقصرُ النظر الوطني الموجع – والأرجح أنها مستمرة - فإن لبنان لن يحظى برئيس للجمهورية في المدى المنظور.
لكن، فليسمع المعنيون: على مقربة من هذا الدوران في الحلقة المفرغة، ثمة رجالٌ ذوو عراقات وطنية وسياسية في البرلمان، وفي خارجه مدنية دائماً، قد يكون من واجب الطبقة السياسية برمتها، وأيضاً وخصوصاً المرجعيات الدينية، البحث فيهم، الآن، وعلى الفور، للمساهمة في الخروج من عنق الزجاجة هذا.
... أما نحن، فينبغي أن يعلم الجميع، وخصوصاً القرّاء، وأهل الطبقة السياسية، والدينية، أن طموحنا الوطني لا يتوقف هنا.
لا. فمشروعنا، أعمق وأبعد بكثير. لنا كمواطنين، مثقفين، كتاب وشعراء، "خوارج"، أن نظلّ نعاند، ونرفض، ونسأل، ونناقش، وننتقد، ونبحث، ونستشرف. ولنا خصوصاً أن نحافظ على شرف اليقظة الثقافية ذات البعد الوطني، المدني، العلماني، والنقدي الحرّ. من أجل أن يظلّ لنا "مكانٌ" في هذه الجمهورية اللبنانية، طليعيّ وخلاّق، نرفض من على محبرته، القبول بهذا المستنقع الآسن، وطناً للمواطنين! ومن أجل أن يصير هذا "المكان" الصغير هو المكان كله. وهذا: من أجل لبنان!


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم