الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

بركة السمك المقدس في البداوي: تراث شعبي وحنين الى الماضي

المصدر: "الوكالة الوطنية للاعلام"
A+ A-

مئة متر إلى جانب الطريق الدولي العام في مدينة البداوي، ثالث مدن الفيحاء، تقع "بركة السمك المقدس" كمعلم سياحي وتراثي يحمل ذكريات جميلة، ويحتضن ذاكرة القرن العشرين في عز نهوض المنطقة.


منذ إنشائها أواخر القرن التاسع عشر، شكلت البركة مركزا سياحيا مهماً، فأقيمت حولها المقاهي التقليدية، وزارها رواد مدن الفيحاء من خارجها، إضافة إلى السكان الذين اعتبروها من المراكز الأساسية للترفيه والاستجمام.
بعض متقدمي السن يتذكرون نشأة البركة، ومنهم من عايش استخداماتها التي يبدو جليا أنها تركت أثرا إيجابيا، وحنينيا لأيام جميلة لم تفارق ذاكراتهم. فالبركة فسحة مشادة باستدارة من حجر ناعم، وبارتفاع يقرب من المتر ونصف المتر، وفي جدران البركة فتحات تصل إلى مياهها عبر درجات قليلة.
يروي السكان عن البركة أنها كانت مليئة بالمياه المتدفق سابقا، وحفت بها المجالس العامة والمقاهي، لكنها جافة اليوم، وغابت عنها الانشاءات المدنية القديمة لتحل محلها أبنية باطون تتنافى بالكامل مع طابع البيئة المحلية.
كان زوار الفيحاء يتجهون للاستراحة على البركة بعد إنهاء الأعمال التي جاؤوا من أجلها إلى طرابلس، ويتذكر أحد قدامى البداوي أن فنانين مصريين كبارا مثل السيدة أم كلثوم ومحمد عبد المطلب ومحمد عبد الوهاب زاروا البركة عندما كانوا يأتون إلى المدينة لتقديم حفلات فنية، واستراحوا على البركة، وتناولوا القهوة، والمرطبات المصنعة محليا.
ويعتقد المهندس المدني المتخصص في ترميم الآثار واثق غمراوي أن "السكان هم الذين أطلقوا عليها صفة القداسة، وأن من يأكلمن اسماكها يمرض، وذلك منعا لصيدها، فنجح الأهالي بذلك".
ويتحدث الدكتور خالد تدمري أنه "في الحرب العالمية الأولى، رابط الجيش البريطاني على البركة، وخيم جنوده الهنود قربها، ولأنهم لا يأكلون لحم البقر، فقد اقتاتوا على أسماك البركة فانقرضت، لكنها فرخت من جديد لاحقا".
ويقارن تدمري بين "بركة البداوي، وبركة سمك النبي ابرهيم في مدينة أورفة التركية، وهي بنفس نوعية السمك، وهناك يمنع أكلها أيضا، ويأتي الناس يتسامرون ويطعمون الأسماك كما كانت العادة عندنا حتى مطلع السبعينات".
ويرى أنه "من الغريب أن الأسماك قطنت البركة ولم ترحل مع مياهها التي كانت تتدفق عبر مجرى خاص إلى البحر".
وظلت بركة البداوي، حتى منتصف السبعينات، مركز تنزه للطرابلسيين يقصدونه في آخر الأسبوع حيث يجدون المقاهي، ويقومون بإطعام تلك الأسماك، إلا أن الحرب اللبنانية، وتحول المكان إلى مخيم لتنظيمات مسلحة، أدى إلى خرابها.
وتطغى على الموقع اليوم الأبنية العالية، فتحجبه، وتنشىء البلدية عليه إنشاءات غريبة عن طابعه التقليدي بهدف إعادة استثمارها سياحيا، ويعتبر غمراوي أن "البناء العشوائي الذي تقيمه البلدية على البركة يشوهها أكثر مما يغنيها".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم