الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

رسالة عاجلة إلى الأستاذ وليد جنبلاط المحترم

المصدر: النهار
عقل العويط
عقل العويط
A+ A-

التقيتُ بكَ، مرةً واحدة، إلى عشاء، في منزل الأستاذ سمير فرنجية. كان ذلك غداة زيارة البطريرك نصرالله صفير التاريخية، التي هندسها، على ما أعتقد، صديقكَ سمير، معك ومع البطريرك، ومع آخرين بالطبع، وأفضت إلى قيام مصالحة الجبل.


تذكرتُ صباح هذا اليوم، ذلك اللقاء الليلي، ونوعية المناقشات التي خيّمت عليه، وهي كلّها كانت تدور حول فكرة الدولة المدنية الديموقراطية، وحول قدرة لبنان، من طريق حرّاس فكرته التاريخية والثقافية، على تجاوز المحن الداخلية، والمؤامرات والمصادرات والوصايات الخارجية، مهما اشتدت أوزارها وفجائعها.


أما لماذا تذكرتُ ذلك اللقاء، فلأن لبنان يواجه استحقاقه الرئاسي، الذي تكتنفه الأهواء والالتباسات من كل صوب وحدب، وتمزّقه النزاعات والتبعيات والارتباطات، حتى لتبديه في عيون مواطنيه، شلواً تتناهشه الأفواه الملتهمة، من خارج ومن داخل.
ما أقرب أسباب ذلك اللقاء الأليف وظروفه، بأسباب هذه الرسالة وظروفها، وخصوصاً لكون وجودكَ السياسي وثقلكَ الانتخابي الراهن، يقيم على مسافةٍ شبه متوازية تقريباً من الطرفين الأساسيين المتنازعين، ومن شأنه أن يكون ذا فاعلية كبيرة وحاسمة في تظهير صورة الرئيس المقبل.


ليس لي أن أُملي عليكَ، ما يُستحسَن أن تواصل ترسيخه من علاقات بينكَ وبين جميع مكوّنات لبنان، وخصوصاً مع مفكّري الموارنة وحكمائهم وخبرائهم في هندسة "التسويات" التاريخية، اللائقة والكريمة والنبيلة، التي تصون فكرة لبنان التاريخي، وتحفظ سلّم القيم والمعايير والكرامات والمقامات، من هذه الجهة وتلك؛ لا "التسويات" المريضة المخجلة، التي بات يغلب عليها طابع الحلول المفخخة، بل الميتة في مهدها.
لكن ما يمكنني قوله إليكَ، في هذه اللحظة التاريخية، التي تسبق مباشرة جلسات مجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية، إن ثمة وجوهاً سياسية كبيرة، برلمانية، وغير برلمانية، في طائفة رئيس الجمهورية، ينبغي التفكير فيها، والعمل لأجل إيصالها إلى السدة الأولى؛ فقط لأنها تجسد، ليس وفق معاييري الشخصية، بل وفق المعايير السياسية التقليدية السائدة لدى الطبقة السياسة اللبنانية، بعضَ ما يليق برئاسة لبنان، مما لا يجوز أن يكون موضع استهتار واستخفاف، كحجرٍ من أحجار الداما.


تصوّر، يا سيدي، الزعيم الدرزي، أن رئيس الجمهورية معقودٌ اسمه لطائفتكَ الكريمة، فهل كنتَ لتقبل بترشيح المسيحيين أو الشيعة أو السنّة له، لأنه عضو في لوائحهم وتكتلاتهم أو تحالفاتهم الانتخابية، وخصوصاً إذا كان يرجع إليهم في الشاردة والواردة؟
يهمّني أن تصلكَ هذه الرسالة، قارئاً فيها إعجابي بدهائك السياسي، وبقدرتكَ على اقتراح المبادرات التاريخية الخلاّقة، كالمبادرة التي أدت إلى هندسة مصالحة الجبل.


ألا تستحق رئاسة الجمهورية هندسةً نبيلة، تتولى تظهير رئيسٍ، ضمن المهلة الدستورية، يليق، إلى حدٍّ كبير، بتمثيل طائفته، وبتجسيد فكرة لبنان الدولة؛ ولا يكون، في ضوء المعطيات السياسية القائمة – وليست كلها ترفع الرأس -، يستحي بنفسه؟


تفضل، يا سيدي الكريم، بقبول تحيتي وسلامي.


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم