الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

فصل من رواية - مطالع سيرة متخيّلة لبديعة مصابني

A+ A-

كان من الممكن أن تغدو الأمور أفضل، لو بقي أبي على قيد الحياة. كان من الممكن أن تخفف رائحة حنانه بعض تصدعاتي، وبعضاً من لحظات استدرار الشفقة في الحياة. على مدى سنوات كنت أشعر بأن جسدي مثقل بأزمات ماضٍ طويل، بل أني مجرد أبريق زجاجي سقط من على برج شاهق. حدث أن توفى أبي وأنا صغيرة طرية العود، وأنفي لا يفقه تمييز روائح الرياح العاتية، ولا أعرف معنى أن يكون غائباً عني. مع ذلك شعرتُ برائحة غيابه من اليوم الأول. غاب ولم يعد يطرق باب البيت مساءً، ولم يعد يجلس على الكنبة العتيقة ويشرب الشاي الأسود الثقيل ويخلّصني من حيرتي. بدا كأن كل شيء تغيّر في غيابه. هو الذي كان يحضر في كل واحد منا في البيت، صار غيابه خيانة لنا. لم أكن أعلم أن أمي ترتدي الأسود حزناً عليه. مذ غاب، خيّم عليها السكون وصارت تكلم نفسها كثيراً كأن شطراً من حياتها قد سقط. هذا ما يقوله شرود عينيها عندما تجلس في بهو البيت. لم تعد تنعم بوقتها، ولم تعد تدلق الماء على الورود التي زرعتها في الأحواض، هي التي لا تجيد عملاً غير موهبة الطبخ.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم