الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

لرئيسٍ يوقظ ليل الجمهورية

عقل العويط
عقل العويط
A+ A-

ليس لرئيس الجمهورية اللبنانية صلاحيات واسعة تتيح لنا أن نحمّله أوزار الأزمنة الرديئة هذه، التي نجم عنها عدم تطبيق اتفاق الطائف، كما ينبغي للاتفاقات المصيرية أن تُطبَّق. لكننا لا نكفّ عن اعتبار موقعه حارساً للقيم وملجأ حصيناً للحلم ولأوزار الحرية. في هذا المقال، نواصل وضع الشروط والمواصفات، التي يجب أن يتحلّى بها الأمناء على الجمهورية.


أن لا يخضع للامتحان الإيراني
ولا يتزلّف للسعودية ولا يسترضي مرجعيته الدينية
نريد رئيساً لا يقبل الخضوع لامتحان لدى لجنة الفحص في "حزب الله"، ليحظى برضى إيران وفلول النظام السوري، تالياً بأصوات النوّاب الشيعة وأتباعهم.
ونريده في الآن نفسه، رئيساً لا يتزلّف في الخارج للسعودية، وفي الداخل لـ"تيار المستقبل"، من أجل أن يحظى بأصوات النوّاب السنّة والسائرين في ركابهم.
نريد رئيساً لا يكون رهين "الضرب" الجنبلاطي – البرّي المحتمل حدوثه في الانتخاب الرئاسي.
نريد رئيساً لا يسترضي مرجعيته الدينية، ولا يتلوّن بألوانها، ولا يتملّق بابها؛ ولا أبواب أهل بيته المذهبي، من هنا وهناك.
نريد رئيساً يصهل للرأس المرفوع، للمعايير، للعقل، للحرية؛ لا رئيساً يموء ويلحس المبرد أمامها.
ونريده يقرأ تاريخ الأزمنة، ويستشرف؛ طالباً الينبوع من الوعر فحسب. لا شيء سوى الينبوع، شرط أن يشقّ الوعر.
وعليه، من المتوقع أن لا نفوز برئيسٍ للجمهورية، على قدر كراماتنا وأحلامنا وطموحاتنا. بل كان ليكون مدعاةً للذهول السوريالي، لو توهّم المواطن أنّ ما قد يحصل سيفضي إلى العكس من ذلك. والحال هذه، ليس لنا أن نحلم في السياسة، ولا أن يُحفَظ فيها ماءٌ لوجه. فإذا كانت طبقتنا السياسية هي هذه الطبقة، وزعماء طوائفنا وأحزابنا وتياراتنا هم هؤلاء الزعماء، وغالبية مرشّحينا هم هؤلاء المرشّحون، ومعادلاتنا الترهيبية والابتزازية والممانِعة هي هذه المعادلات، وحكومتنا تُصنَّع على إيقاع المعامل الإقليمية، ورئيس "سيّد نفسه" هو هذا الأمبراطور غير المتوَّج، الذي جعل المجلس قصراً ملحقاً بأملاكه العامة الشخصية، وملعباً لكشاتبينه السحرية، ودارةً خلفيةً لحريمه السياسي، أفلا يجدر بنا أن نستحقّ ما يمنحنا إياه هذا الدهر اللئيم، من رئيسٍ للجمهورية سيكون، لا صانعاً، بل صنيعة، من العقل إلى أخمص القدمين؟
يشترط بعض الأطراف، في مقدّمهم "حزب الله"، أن يؤتى برئيس "توافقي"، يكون ثمرةً للحبل بدنس "التوافق" السنّي – الشيعي، السعودي – الإيراني – السوري.
فلماذا، "يا عيوني"، ترشقون "التوافق" بالحرم عندما يتعلق الأمر بانتخاب رئيسٍ لمجلس النواب، ثمّ تقدّسون "التوافق" وتنزّهونه من كلّ عيب وتلحّون في إعادة الاعتبار إليه عندما لم تسمحوا بتأليف حكومة من الطرف الذي يملك أكثرية نيابية، أو عندما تريدون الإتيان برئيسٍ منزوع النخاع الشوكي، كي لا أقول رئيساً مخصيّاً؟ ألأنكم تريدون حكومة لتقاسم النهب؟ ألأنكم تريدون الرئيس، لا رئيساً للجمهورية إنما رئيساً لأخوية، لجمعية كشفية، أو بوماً ينعب فوق شجر هذا الخراب؟
بصفتي مواطناً فحسب، لا أكثر لا أقلّ، منتمياً إلى ما يجب أن يكون دولةً للمواطَنة، أحترم القانون وأسدّد الضرائب، وأحفظ العهود والمواثيق، أريده رئيساً يشهر أحلامه "الخطيرة" التي تُزعج وتُربك وتُخيف وتقضّ وتقلب طاولات الصيارفة في الهيكل اللبناني. في هذا المعنى، لست معنياً برئيس "توافقي"، ليس لأني أرفض "التوافق"، أو لأني منحاز إلى طرف (هذا شأني وحقّي)، وليس لأني لا أحظى ببركة الروح القدس المغشوشة، أو لأني فئوي؛ بل لأن مثل هذا الرئيس لن يستطيع أن يكون رئيساً، ولا أن يحكم. محضَ دمية، سيكون، هذا الرئيس "التوافقي"، من أجل أن يستمر السيرك البهلواني، وتتواصل فصول المسخرة والغلبة والهيمنة والمصادرة واليد الثقيلة والفساد والنهب. وهذه كلها مهزلةٌ مفجعة.
مَن له يُعطَ ويُزاد، يقول الكتاب. وقد أُعطي لنا، أن نكافح ونتمرّد وننتفض ونرفض ونخلق. لكن يبدو أننا نهوى التمرّغ. فلنتمرّغ أكثر في المستنقع المنتن. ولنسقط أكثر. ولتتعفَّر جباهنا أكثر. أليس هذا، ما نستحقّه، وهذا ما يجب أن نحظى به؟!
مَن استحى مات. لكن، ليس عندنا في هذه الطبقة السياسية، ولا في الطبقة الدينية، مَن يموت، كمداً وغيظاً واستحياءً. لأن لا أحد يستحي (وليس من تعميم). إنه، "يا عيوني"، الفجور السياسي والقيمي. فمَن لا يكون فاجراً، وألعباناً، لا يعثر على مكان في السيرك.
هكذا، بعد أيام، سيلتئم مجلس النواب لانتخاب رئيس. هذا، إذا ارتأى أصحاب الشأن الإقليمي، وأبواقهم المحلية، تأمين النصاب. قد يُنتخَب رئيس، وقد يتعذّر انتخابه. فإذا تعذّر، دخلنا في الطريق المسدود. وهو الفراغ المعلوم، الذي قد يكون فراغاً مطلوباً ومرغوباً فيه عند البعض. وما أكثر هؤلاء.
في تلك اللحظة بالذات، تصبح المسألة أشبه بحال "أمّ الصبي"، التي، بحكم الأمر الواقع، وتحت ضغوط الابتزاز، لا بدّ لها، من أجل إنقاذ الصبي، أن تقبل بكلّ الحلول، "الممودرة" (تُقال للبيض المفسود)، أو تلك غير المقبولة، وغير المشروعة. من هذه الحلول، على سبيل المثال، "يا عيوني": الإتيان بواحدٍ ممّن لا ثقافة للسياسة عندهم، ولا لون لهم ولا طعم ولا رائحة (هؤلاء يتكاثرون مثل الأمراض السارية)؛ أو الإتيان بقائد الجيش، أو بحاكم المصرف المركزي (وفق تعديل دستوري؛ ومما يُقال الآن، إن لا حاجة إلى تعديل)؛ أو اجتراح معجزة "ظهور" (تظهير) الرئيس "التوافقي" في غرف التحميض المشبوهة، حين يسحبون صورته آنذاك من خبايا الأكمام والكواليس المستورة، كما تُسحَب حمامةٌ مبرمجة من يد الساحر البهلوان.
... لكن، ماذا لو كانت "أمّ الصبي" كاذبة، أو ممثلة فاشلة، أو ساحرة شمطاء، أو بهلوانة من الطراز الطارئ المستخفّ الرديء؟
أياً كانت الحال، وأياً كانت النتيجة، فإن الصبي، الذي هو الدولة هنا، لن يُنقَذ؛ باعتبار أن الواقع المحتمَل وقوعه لن يربطه أيّ خيطٍ بالمرتجى الوطني المأمول. ولا حتى قدْر شعرةٍ؛ كشعرة معاوية.
هذا كلّه يفتّ العضد، بالطبع، لكنه لن يفتّ عضدنا، ويجب ألاّ يفتّ عضد الوجدان الاستقلالي المدني الديموقراطي العلماني. صحيح أن يأسنا سيزداد بسبب هيمنة سياسة القطعان، الإقليمية – المحلية، لكن ذلك لن يجعلنا نلتحق بقطار، لنمشي في قطيع. لن نسكت. ولن نعترف بهزيمة للأمل. بل سنظلّ نشهّر. وسنظلّ نؤلم بالكلمات، حيث تؤلم الكلمات، إلى أن يستعاد الحدّ الأدنى من الشعور بالكرامة الوطنية، على رغم معرفتنا "الموضوعية" بأن الواقع المهيمن على الطبقة السياسية ينطبق عليه قول المتنبي: من يهن يسهل الهوان عليه/ ما لجرحٍ بميتٍ إيلام.


* * *


افترار
لولا أنّي عندما أنام، أستبقي غيوماً في رأسي ليُغمَر بالنسيان؛ لولا أنّي أُبصر ما لا تبصره العقول والعيون، من رؤىً تخريفية وحقيقية تستضيف عري الكلمات وليلكِ الافتراضي؛ هل كنتُ لأتحمّل رأسي نازفاً سافراً مبحلقاً ساهراً، كأنّه يُملي على نومي توقيت انفجاره أو انتحاري؟!
لولا أني أصير هواءً في الهواء، نهراً في بحر؛ كلما رأيتُ زورقاً يفترّ في أفق، مستيقظاً، مترفّقاً، كتوماً، ضاحكاً، جامحاً، ساخراً، خجولاً، ساهياً، مشرقاً، صامتاً، صاخباً، مترنّحاً؛ هل كنتُ لأستطيع أن أظلّ
أواظب على ارتياد بحر هذه الحياة المسدود الأفق؟!
لولا أني أزور النقيّ الهواء في الأودية الخطيرة والبراري الهوجاء، فيستدرجني هذا الأرعنُ اللذيذ الهواء لأسترشد بأمزجته وأساليبه في المراودة والتودّد؛ هل كنتُ لأستطيع أن أظلّ أتحمّل نتانة الهواء في رئتيَّ؟!
لولا أني كاهنٌ مارق، ومترهّبٌ لهذا الجمال الأرضي، لكنْ خلواً من أثواب الكهنة والرهبان؛ هل كان لي أن أستجمع قداديس هذا الجمال في كتب يديّ وعينيّ؟!
لولا أني موهوبٌ بتأجيج افتراركِ قبل تفتّحه، وبتأجيجه في الأثناء؛ هل كنتُ لأستطيع أن أتحمّل كوني شاهداً محايداً؟!
لولا أني أفترّ كلما مسّني وجودكِ بكهرباء الشبق؛ كيف كنتُ لأستطيع تسليم رأسي على وعد الجسد والقيامة؟!


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم