الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

الفساد الراسخ والإصلاح المستحيل!

راجح الخوري
A+ A-

ليس في لبنان من لا يتذكر واقعة الدواليب المحترقة التي أسقطت حكومة عمر كرامي في ٦ ايار من العام ١٩٩١، وما ادت اليه من زيادات عشوائية في الرواتب، كان من نتيجتها انفجار موجة من التضخم اهدرت مفعول الزيادة وادخلت البلاد في حلقة مفرغة، بين حركة مطلبية محقة وتضخم متزايد في بلد متهالك!


المشكلة تكمن في الفساد الكبير "المستشري في كل الادارات وعلى أعلى المستويات وبتغطية من الطبقة السياسية، ولا أستثني نفسي في هذا المجال"، كما قال وليد جنبلاط بصراحته المعهودة قبل يومين، لكن لبّ المشكلة انه ليس هناك رغبة فعلية عند اهل الطبقة السياسية في الاصلاح وإقفال بالوعة الفساد، التي تكاد تدمّر هيكل الدولة اللبنانية المتخلخل، فمعظم السياسيين ملائكة يحلقون في فضاء الصفقات والسمسرات والسرقات الموصوفة، وقد بات لكل منهم توقيع بتسعيرة محددة، سواء توقيع الكبير وراء ابواب مغلقة او توقيع الصغير وراء جارور مفتوح في الإدارات العامة السائبة!
قياساً بكلام وليد جنبلاط عن الحماية السياسية للفساد والفاسدين، يكاد المواطن لا يصدّق عندما يقرأ بعض الاقتراحات الاصلاحية الموضوعة في التداول، كالحديث مثلاً عن تشكيل لجنة تحقيق نيابية (نيابية؟) للتدقيق في ملف الجمارك وما يثار من تهم بالهدر والفساد، وعن تشكيل لجنة برلمانية خاصة (برلمانية خاصة يا لطيف؟) لمتابعة ملف الاصلاح الاداري، ولكن كيف اذا كان دود الخل منه وفيه على ما يوحي جنبلاط؟
هناك دعوة الى تشكيل "الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد"، ولا ندري على اي أسس سيتم تشكيلها ومن أين سنأتي بملائكتها وليس في حقول البلاّن مسّاس واحد، وهناك دعوة الى اطلاق ورشة تشريعية شاملة لمكافحة الفساد تتضمن إعادة الاعتبار (رحم الله الموتى) الى كل مشاريع واقتراحات القوانين وتفعيل ما أقرّ سابقاً، ولكن أوَلم يتم دفن هذه المشاريع واجهاضها في الماضي لأن الفساد يكمن في رأس السمكة ... ففي البحر اللبناني ايضاً السمك الكبير يأكل السمك الصغير عليم الله!
وهناك دعوة الى وضع قانون لحماية كاشفي الفساد في الادارات والمؤسسات (حماية؟) ولأن هؤلاء يحتاجون الى حماية، فهذا يعني ان للفاسدين سطوة مخيفة تتحكم بالبلاد وتعاقب "الفسّيد"، ويمكنها بالتالي ان تحوّل كاشفي الفساد وحماتهم جهازاً يسهر على حماية جمهورية الفاسدين، لينام الجميع مطمئنين هانئين في احضان السياسيين والدولة المسخرة!
ومن باب الفالج الحديث عن الهيئات الناظمة لقطاع الكهرباء وغيرها من الادارات، لأن "المجالس الوطنية" التي اخترعوها ضرّة للوزارات، كانت مجرد ابواب لتغطية فشل الوزراء والوزارات ثم صارت مجالس هدر وافلاس ... وما لم نتفق على اي دولة نريد فسنمضي بعيون مفتوحة الى الجحيم!


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم